صغيرةً كنتُ: شعر: أميمة إبراهيم – دمشق – سورية

أميمة إبراهيم

 


صغيرةً كنتُ
ألتحفُ ضبابَ حمصَ
وأغرّدُ لقرميدِها
وحجارتِها السّودِ.
و مع مواكبِ سنونواتِها
أطيرُ
يأخذُني الحنينُ إلى شتاءاتِها الممعناتِ في البردِ
الممتلئاتِ بالدّفءِ
وحكاياتِ مداخنِها في ليالي كانون.
*****
عندَ ضفافِ قلعتِها
كانت أحلامي تُورقُ بانتظارِ أبي يعودُ من عملهِ.
وبين الجاراتِ كانتْ أمّي
صبيةً ممشوقةَ القدِّ
تنهلُ من طيبتهن ماءَ الوفاءِ.
يومها كانت “سميرة توفيق
تجمعُ بحلاوةِ صوتِها رهطَ النّساءِ الشّغوفاتِ للجمالِ
يقلّدنَ غمزةَ عينها
كي يحاورنَ الحبيبَ بعدَ تعبٍ وكدّ.
وكانت جدّتي بمنديلِها الأسودِ تحملُ قصصَ الضّيعةِ
وأسرارِها
والعتابا.
تحكي عن الجنّية الساكنةِ في النهرِ
والعسكرِ التّركي يأخذُ الشّبابَ إلى السفرِبرلك.
وتغضبُ لمنظرِ راقصةٍ
تتلوّى وتهزّ خصرَها النّحيلَ
فتضحكُ البناتُ لطرافتِها
وظرافتِها.

وإذ كانَ رفاقُ الحيّ يلعبونَ
كنتُ أضمُّ شخوصَ الحكايةِ وأرتحلُ مع سندباد
وبقايا من سندويشةِ الزّيتِ والزّعترِ
مازالتْ في يدي.
*****
ضاعتْ من ذاكرتي التفاصيلُ!
تلكَ العراضةُ التي سرُتُ ورفاقي وراءها مُصفّقين
هل كانتْ لمحمود عندما بَشّرتِ الدّايةُ بمولدِه بعدَ سبعِ بناتٍ؟
أم لعبدِ المسيحِ وقتَ معموديتِهِ وشفائهِ من الحصبةِ؟!
والثوبُ الأزرقُ ترتديه خديجةُ مثلما ماريا
وتدخلانِ معاً كنيسةَ السيّدةِ
تنذرانِ أن تزورا معاً مسجدَ خالد بن الوليد.
هل أشعلتا الشمعَ يومَها أم سجدتا ؟!
*****
جدّةً صرْتُ
ومازلتُ ألتحفُ غمامَ حمصَ وأطيرُ مع مواكبِ السّنونو
حالمةً بالدّفءِ
وكانونُ صارَ غولاً يستبيحُ الرّوحَ
ويتركَها للظّلامِ.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*