أرشيف تعاليق محمّد صالح بن عمر النّقديّة على الشّعر:13 : قصائد راشيل الشّدياق : 13- 1:أمانٍ بمِرْسمِ الشّمسِ

راشيل الشّدياق

 

أودُّ الرّحيلَ
إلى مُدنٍ
الشّمسُ فيها لا تذوي
لا تعتقلُ إلّا نورَ قمرْ
بخمرِ اللّيلِ قد سكرْ

*
إلى شواطئَ
ألرّملُ فيها وفيٌّ
صلاتُهُ لجَزْرٍ قد هوى
*
إلى حيثُ لا شوائبَ
لا فقاقيعَ فارغةٌ
إلى مدٍّ أبيضَ يُكرِّمُ
حتّى إنّ نفسَه
في فيضٍ قد نَسيَ

*
أودُّ لوأعانقُ أملاً
فيه عطرُكَ
أن أرسوَ على قُبلةٍ
كإعصارِ الفصولِ
أدورُ معها
أرقصُ من ثَمَلِ حياةٍ
أتأرجحُ كطفلةٍ
تتحدّى حدودَ السّماءِ

*
أودُّ لو أغزلُ حريرَ الشّوقِ
في أحضانٍ هي موطني
أحوكُ من شغفٍ
شفافيةً من جسدٍ
وعلى دفءِ نبضٍ
أُرْسي أمواجي
تذوبُ آهاً في صحوِ آهاتي

*
ليتَ للصّبرِ في البعدِ كياناً
يزرعُ النّدى صمتَ ربيعي
لكنّكَ هيكلي وأنا ناسكةٌٌ
وفي أروقتي
لغيرِ ذكراك، صارخاً
ما احترقَ بَخُوري
يمكن تصنيف صاحبة هذه القصيدة من حيث الاتّجاه العامّ ضمن زُمرة الشّعراء ذوي التّجارب. وهم الذين يَصْدُرون في ما ينشئون عن هموم عميقة، قارّة لكن من دون الوقوع في التكرار والاجترار من جهة التّعبير الفنّيِّ . و قد صاغت نصّها هذا ، كما نرى، على هيئة قصيدة غزليّة يصدر الخطاب فيها عن متكلّمة عاشقة في اتّجاه معشوق تيّمها وأخذ بمجامع قلبها.وذلك وفاء منها للغرض الذي دأبت عليه في مجمل أشعارها وهو الحبّ الرّوحيّ الاندماجيّ الذي يذوب في نطاقه المتّحابّان كلُّ منهما في الآخر ( أعانقُ أملاً فيه عطرك أن أرسو على قبلةٍ كإعصار الفصول أدور معها أرقص ثمل حياة أتأرجح كطفلة تتحدّى حدود السّماء) .ولكن لفظا أقحم عن قصد في البيت الثّاني والعشرين يكشف للقارئ أنّ الحبّ الذي تتغنّى به الشّاعرة إنّما هو حبّ الوطن (في أحضانٍ هي موطني )وأنّ الغرض الذي تطرقه إنّما هو عندئذ حبّ الأوطان .وهذه الحيلة الفنّيّة التي هي في الحقيقة عنصرُ الإبهار الأساسُ في القصيدة برمّتها تتعزّز، على هذا الصعيد، في ما يلحق من الملفوظ باستعارة الهيكل والنّاسكة التي تُوِّج بها النّصُّ ( لكنّك هيكلي وأنا ناسكةٌ وفي أروقتي لغيرِ ذكراك، صارخاً ما احترق بَخُوري). على أنّ بناء هذه القصيدة لم يتّسم مع ذلك بالسّهولة التي قد يتصوّرها بعضهم .ذلك أن الشاعرة قد صاغتها على صعيد آخر، من البداية أيضا، في شكل فِعْلٍ كلاميٍّ وَعْدِيٍّ طبقا للمفهوم الذي وضعه الفيلسوف الأمريكيّ جون سورل ويقصد به كلّ خطاب يُستخدم للتّعبير عن وعد أو تمنّ أو ضمان أو مراهنة أو قَسَم ….وهو ما يثير في القارئ أسئلة حارقة عن الأسباب الكامنة وراء تمنّي الشّاعرة مغادرة وطن تذوب في حبّه إلى آفاق أخرى. ولا يلبث الجواب أن يأتيه في باقي القصيدة حيث يتّضح أنّ الرّحيل الذي تتمنّاه إنّما هو رحيل في الحلم لا في المكان وتحديدا نحو أوضاع أفضل يكون فيها الوطن مستقرّا، هادئا، مطمئنّا، متشوّفا إلى غد واعد

.إجمالا يمكن القول إنّ هذا النّصّ عبارة عن نشيد صيغ في قالب أغنية وجدانيّة كُتبت بشغف ولطف وحساسيّة مرهفة.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*