أرشيف تعاليق محمّد صالح بن عمر النّقديّة على الشّعر:4 : قصائد ليندا عبد الباقي : 4- 1: جئتَ

ليندا عبد الباقي

 

جئتَ في وضَحِ الحنين

كنت َعلى بُعْد قُبلَةٍ

حين ضاعتْ حروفي

بين أبجديةِ الدّمعِ

ولَهَاثِ المطرِ

حينَ ضاق َالحبرُ

بقصائدي .

جئت ُ أقشِّرُ ابتساماتي

في سِلالِ رغبتكَ

وأسقط ُ

قُبلَة ً

قُبلَة 

على ضفافِ الحنين

(ليندا عبد الباقي- شاعرة سوريّة )

 إنّ الحبّ مثلما مرّ بنا  في عدد لا يكاد يحصى من القصائد التي علّقنا عليها  سابقا هو  من أشدّ الظّواهر الإنسانيّة غرابة واستعصاء على التّحديد ، على الرّغم من التّقدّم الباهر الذي تحقّق في علم النّفس وعلم تحليل النّفس والجِنْسانيّة ومن آلاف الشّهادات الصّادرة عن أشخاص عاشوا تجربته ،منهم أدباء وعلماء وفنّانون وفلاسفة عظام قادرون ، مبدئيّا ، على القيام بتحليلهم الذّاتيّ . والمظهر الأكثر غرابة في هذا الشّعور هو تعدّده الفرديّ بحيث  يتعذّر أن يحبّ شخصان على نحو واحد . وذلك على الرّغم من التّصنيفات التي ضبطها بعض علماء النّفس بتقسيم الحبّ إلى ستّة أو سبعة أنواع مثل الحبّ الشّهوانيّ والحبّ اللّعبيّ والحبّ الأفلاطونيّ وحبّ الصّداقة والحبّ  المهووس والحبّ الاستحواذيّ وغيرها … ففي هذه القصيدة ، على سبيل المثال ، الحبّ الذي تصف معالمه الشّاعرة لا يدخل بسهولة  في صنف من الأصناف التي ذكرنا إلاّ إذا أُلْحِق بأحدها تعسّفا .ذلك أنّ الشّاعرة عند ذكرها للظّروف التي ولد فيها هذا الحبّ لم يستوقفها منه سوى أثره المنقذ الذي خلّصها من فراغ عاطفيّ (ضاعتْ حروفي – الحنين- الدّمعِ) ومكّنها من إطلاق مكبوتاتها والتّخلّص من حالة الجفاف والتّقبّض التي تعانيها (جئت ُ أقشِّرُ ابتساماتي في سِلالِ رغبتكَ وأسقط ُ قُبلَة قُبلَة  على ضفافِ الحنين) .أمّا شخص المعشوق فلم تلتقط منه سوى رغبته الشّهوانيّة (أقشِّرُ ابتساماتي في سِلالِ رغبتكَ ) ، مختزلة إيّاه ، بذلك ، في مجرّد كائن ذكوريّ .ونحن لا نقوم هنا ، طبعا ، إلاّ بتحليل أنماطٍ من السّلوك وُصفت في نصّ أدبيّ  دون أن تكون لنا نيّة إصدار حكم مهما كان نوعه . بل هدفنا الوحيد لا يتعدّى  بيان فرادة هذا الحبّ وارتباطه الوثيق بالحالة الفرديّة النّوعيّة للمتكلّمة التي لا تتماهى ضرورة مع الشّاعرة .

من النّاحية الأسلوبيّة لهذه القصيدة كلّ مواصفات اللّوحة التي رُسمت بلمسات استعاريّة ، خفيفة ، باهرة .والعنصر الأشدّ إدهاشا فيها هو ، بلا ريب ، خاتمتها  المباغتة .

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*