طوبى مرّةً أخرى شهريادُ : شعر: علي كرامتي – قرطاج الياسمينة – تونس

علي كرامتي

 

مَاذَا تُرَى أُهْدِيكِ ؟
زَهْرًا؟ عُطُورًا؟ فِضَّةً ؟ ذَهَبَا؟
لاَ بَلْ خُذِي لَكِ بَاقةً مِنْ زَهْرِ عَاطِفَتِي وَعِطْرِ مَشَاعِرِي
لَكِ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ قُبْلَةَ فِضَّةٍ
وَسَمَاءَ أَشْوَاقٍ و بَحْرٍ مِنْ ذَهَبْ
الْحَرْفُ َممْلَكَةٌ تُؤَلِّفُ بَيْنَنَا
بَعْدَ انْهِزَامِ الشَّمْسِ فِي دُنْيَايَ..
وَ اسْتِيطَانِ حُبِّكِ فِي دَمِي
بَعْدَ انْتِكَاسَةِ عُمْريَ الْـمُتَشَرِّدِ
بَيْنَ الْكَآبَةِ و الْخُرَافَةِ و الْجُنُونْ
يَا مَنْ فَتَحْتِ مَنَافِذَ الدُّنْيَا لِعَيْنَيَّ
مَا أَضْيَعَ الدُّنْيَا بِلاَ عَيْنَيْكِ .
* * *
كَمْ ذَا أُحَاوِلُ أَنْ أُسَافِرَ بِاحْتِضَارِي الْـمُرِّ ..
عَنْ مَلَكُوتِ قَلْبِي
وَ أُعِيرَ نَفْسِي لِلأَمَانِي مَرَّةً
وَ لِدَغْدَغَاتِ الْحُلْمِ مَرَّهْ
أَغْفُو وَ أَحْلُمُ أَنَّنِي أَحْسُو الْبِحَارَ
جَمِيعَهَا فِي رَشْفَةٍ
وَأُحِلَّ كُلَّ الْعَالَمِ الْـمَسْحُورِ فِي صدْرِي
وأَطْوِي الْكَوْنَ فِي كَفِّي
وَأصُبُّ جَامَ الْغُلْمَةِ الْخَضْرَاءِ
فِي أَحْشَاءِ دُنْيَايَ
كَيْ تُصْبِحَ الدُّنْيَا إِلَيَّ و مِنِّي
كَيْ تُصْبِحَ الدُّنْيَا أَنَا
* * *
وَأَفَقْتُ وَ الْعُصفُورُ يَغْزِلُ لَحْنَهُ
مِنْ شَعْر أَشْعَارِي
وَ يُزِيلُ قِشْرَةَ مُنْيَتِي الْعَجْفَاءِ مُبْتَهِلاً:
“رَاحِيلُ نَكْبَتُنَا الّتِي لَمْ نَفْقَهِ
رَاحِيلُ خَيْبَتُنَا الّتِي لَم نَشْتَهِ
ألَقٌ جَدِيدٌ سَاطَعٌ
لِعُيونِ جَمْرٍ كَانَ يَرْقُدُ تَحْتَ أَجْفَانِ الرَّمَادْ
أَمَلٌ قَدِيمٌ مُسْتَجَدٌّ ..
مُنْيَةٌ وَحْشِيّةٌ مَفْضُوحَةٌ
نَهَمٌ عَتِيٌّ مَيِّتٌ فِي أَرْضِنَا عَرَفَ الرُّجُوعَ وَ عَانَقَ الْـمِيلاَدْ
مِيلاَدَ قَلْبٍ دَامِعٍ
مُسْتَجْدِيًا عَطْفَ الْهَيَاثِمِ وَ الأَفَاعِي وَالــرُّقُمْ
مِيلاَدَ عُمْرٍ ضَائِعٍ
مُتَعَدِّدَ الأَسْبَاطِ مِنْ رَحِمِ الأسَاطِيرِ الْقَدِيمَهْ
رَاحِيلُ تَرْجِعُ مِنْ جَدِيدْ
رَاحِيلُ تَأْخُذُ مَا تُرِيدْ
رَاحِيلُ عُرْسُ الانْكِسَارَاتِ الّذِي لاَ يَنْتَهِي
* * *
يَا أنْتَ يَا قَلَقِي الْـمُحَاصَرَ بِالخَرِيفِ
فَاضَ النَّهَارُ عَلَى مَنَاكِبِ نَخْلَةٍ
كَانَتْ تُـمَشّطُ شَعْرَهَا
رِيحُ الصَّبَاحْ
وَ تَهَالَكَتْ فَوْقَ التُّرَابِ ظِلالُهَا
نَشْوَى بِعَوْدَتِهَا لِـمَخْدَعِهَا الأَثِيرْ ..
وَ أَنْتَ مَا زِلْتَ لَمْ تُدْرِكْ إَلىَ الآن
فَضْلَ التُّرَابِ عَلَيْكَ أنْتَ
وَ ” فَضْلَةَ الصَّلْصَالِ فِيكَ” (1)

قُمْ… وَ اغْتَسِلْ… عَرَقُ الْخَطِيئَةِ فَاحَ
مِنْ صُدْغِ كَعْبَتِكَ الْجَرِيحَهْ
فَتَلَطَّخَتْ أَفْكَارُكَ
فِي بِرْكَةِ الْـمُسْتَحْلَبِ النَّوَوِيِّ
الشَّرْقُ أَوْصَدَ دُونَ قَلْبِكَ مَاءَهُ
وَ طَوَاكَ خَارِجَ أَرْضِهِ وَ وَرَاءَ خَارِطَةِ انْتِمَائِهِ
وَ مَنَارَةُ التَّسْبِيحِ بَاعَتْ نُورَهَا القُدُسِيَّ
قُمْ، هَدِّمِ الأَمْسَ الرَّجِيمْ
ثُمَّ ابْنِ صَرْحَ زَمَانِكَ الْـمَنْشُودِ وَ امْضِ
هَذِي دِمَاؤُكَ، فَاسْقِ مِنْهَا النُّورَ
وَ اسْتَسْقِ مِنْكَ دَمًا سِوَاهَا..
تُؤْتِكَ الأمْوَاجُ عُمْرَكَ مَرَّتَيْنْ
وَ ابْسُطْ يَدَيْكَ إِلَى احْتِضَارِ الْقمْحِ فِي رَحِمِ التُّرَابْ
تَرْجِعْ إِليْكَ يَدَاكَ بالدُّنْيَا مُخَضَّبَةً
فَالْقَمْحَةُ الْوَحْمَى تَصِيرُ حُقُولَ سَنَابِلٍ
إنْ فَارَقَتْ تَكْوِينَهَا جَسَدًا أَنَانِيّاً..
وَ صَارَتْ بَاحَةً لِلْقَلْبِ وَ الإِيثَارِ
* * *
فَتِّشْ عَنِ اسْمِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْفُوَ
ظِلالَ الْغَائِبِينْ
لاَ بُدَّ أَنَّكَ مُتْعَبٌ مِنْهُمْ وَ مِنْكَ
وَ مِنْ ضَلاَلِ دِمَائِكَ الْحَمْقَى
مِنْ أَمْسِكَ الْـمُزْوَرِّ
مِنْ أَصْدَاءِ مَلْحَمَةٍ تُجِلُّ السَّيْفَ و الرُّمْحَ
مِنْ مَجْدِ هَارُونَ الرَّشيدِ وَ مِنْ خُطَى عُثْمَانَ
صَوْتُ السَّقِيفَةِ نَائِحٌ فِي نَاظِرَيْكَ وَ بَيْنَ جَنْبَيْكَ
فَتِّشْ فَإنَّ زَمَانَ قَلْبِكَ آتٍ
وَ زَمَانَكَ الْقُدْسِيَّ وَهْمٌ و احْتِذَاءْ
وَ اسْأَلْ فَفِي مُرِّ السُّؤَالِ عُذُوبَةٌ
وَ اسْألْ فَفِي مُرِّ السُّؤَالِ نُبُوَّةٌ
سُبْحَانَ وَجْهِكَ وَ هْوَ يَغْرَقُ فِي السُّؤَالْ
سُبْحَانَ قَلْبِكَ فِي تَحَدِّيهِ الْمُحَالْ

——————–

(1) ما وضع بين ظقرين اقتباس من الشّاعر

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*