مكتظٌّ بالطحالبِ الضّريرةِ : شعر: حسن العاصي – شاعر فلسطينيّ مقيم في الدانمرك

حسن العاصي

 

رماحٌ داجنةٌ

    *

وأنتَ تسحبُ رماحَكَ من غابةِ الخبزْ

ازرعْ عصافيرَ لقلوبِ الجائعينَ

كي ينموَ على نصالِكَ السّلامُ

وأنتَ تحتسي صوتَ الشّراعِ

افتحْ باباً لصراخِ البحرِ

وباباً لهذا التَّيْهِ الموغلِ

وأنا من سقطَ في قدمي الطّريقِ

استعصتْ عليَّ الثّمارُ

وأنهكتْني النّهاياتُ

قُلْ لي: كيف تبدّدتْ رحلتي في المنامِ؟

2

مواعيدُ مؤجّلةٌ

       *

كثيراً أحبُّ ثرثرتَكِ في الحربِ

تُخبّئينَ ترياقَ الخوفِ خلفَ الرّداءِ المرتبكِ

تقولينَ: في تجاعيدِ الضّوءِ التّالي أراكَ

في العتمةِ نتوغّلُ

والمتاريسُ تُواري نوافذَ المدينةِ

الأقدامُ داميةٌ حتّى ينزفَ الرّصاصُ

لم أرَ صوتَكِ

انتظرتُكِ طويلاً على الشّرفةِ المبتورةِ

قالَ حرّاسُ الفوانيسِ

في غفلةٍ من الشّرخِ رحلتْ

نَسيِتْ ارتداءَ الملجإِ

3

شيءٌ من الخوفِ

        *

ولدتُ في مرجِ السّوسنِ

أرضعتْني العصافيرُ العابرةُ

لذلكَ أمقتُ الأماكنَ الضّيّقةَ

تراني أضمُ الغيمَ في جيبي

وأشاطرُ وجهَ السّماءِ لوني

طويلاً أضحكُ على أسوارِ الوحشةِ

أحلّقُ بلا أسماءَ ويستدرجُني دربُ الصناديقِ

أغفو فوقَ السّروِ المهجورِ

وأرقبُ موكبَ الجنازةِ

في البيتِ الجدرانُ كثيرةٌ مرتفعةٌ

جُلُّ ما أخشاهُ أن أصبحَ فزّاعةً بقبّعةٍ من الذّرةِ

تنتصبُ وسطَ المقبرةِ القديمةِ

ولا أستطيعُ الضّحكَ

4

حكايةٌ غيرُ حقيقيّةٍ

       *
في النّطقِ تأخّرتُ كثيراً وأنا صغيرٌ

كنتُ أبكمَ مشروخَ الفمِ لا أدركُ الكلامَ

دائمًاَ ما كانَ ينعقدُ لساني بما ينبتُ فيه

تجري أصابعي لآخرِ مزمارٍ

ويظلُّ لساني في مكانِهِ

قالتْ أمّي: ابني مكتظٌّ سطرُهُ بالطّحالبِ الضّريرةٍ

شدّوا حرفَهُ مسافةَ نورٍ منكسرٍ كي نراه

يأبى المعنى أن يطاوعَني

كانتْ عيوني ظمأى للحزنِ

كبرتُ وأصبحتُ صوفيّاً

 وضاقتِ الجهاتُ على صوتي

امتطيتُ سدرةَ الاستدلالِ أقشّرُ قافيةَ النّصوصِ

أرتّلُ أورادَ الغيمِ الموروثِ

وصارَ صوتي مطراً لكلِّ عشبٍ جافٍّ

وجناحًا لكلَِ أبكمَ

5

هسيسٌ مرتبكٌ

      *

كنتُ أصنعُ زوارقَ ورقيّةً وأنا صغيرٌ

أرسمُ عليها أجنحةً

تشبهُ الطّيبَ المسافرَ  إلى مقابرِ الخزامى

أحمّلُها حبّاتِ القمحِ وأدفعُها

في الضّفّةِ الأخرى للسّاقيةِ تلتقطُها العصافيرُ

أنا لا أخشى البحرَ

ولا الأسماكَ

لكنّني جداً أخافُ من المراكبِ الكبيرةِ

ولونِ البحرِ

وكثيراً كثيراً أخشى الورقَ

كلّما أحضرتُ القلمَ ماتتِ الطّيورُ

لم يعدْ من القمحِ ما يكفي

يقولونَ الأزرقُ لونُ الموتِ

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*