آلامُ العَائلةِ: شعر: محمّد بوحوش – توزر – تونس

محمّد بوحوش

 

الأبُ مُنشغلٌ باللّهِ

والأمُّ بشَهوةٍ حادّةٍ تَقضِمُ أصابعَ خُبزِها اليوْميِّ،

وتَطهو على نارِ أعْصابِها الواهنةِ شايَ الصّباحِ…

يَتحلّقُ الأطفالُ  حولَ مائدةِ الفَطورِ

يمْضغونَ الصّبرَ :

في  انتظارِ أنْ تجودَ عليهمْ  حُكومةُ الثّورةِ 

برغيفٍ وبدْلةٍ مَدرسيّةٍ زرْقاءَ

الشّمسُ  تَفرِك يديْها  اليابِستيْنِ لتُرسلَ أشعّتَها الصّفراءَ على بَهْوِ الدّارِ.

تتَجمّعُ  العائِلةُ…

تسْتقبلُ أولَى تبَاشيرِ الفجْرِ

بدمٍ فاتِرٍ ونظراتٍ مُطفأةٍ سوْداءَ.

كلُّ  الأفرادِ إلى المَدينةِ ينْصرِفونَ،

بحْثا عنْ  أملٍ  ضائعٍ  قبلَ مُنتصفِ  النّهارِ:

الطّفلُ  إلى الشّارعٍ

الأبُ إلى اللهِ ،

الفتاةُ الصّغيرةُ إلى مَصبِّ  النُّفاياتِ،

الأمُ ،  المُولعَةُ  بتَمشيطِ آلامِها، إلى مَقبَرةِ الشّهداءِ

تتضرّعُ  إلى الموْتى والصّالحينَ ،

الصّابرينَ  في  السّرّاءِ والضرّاءِ  وحينَ البأسِ…

عسَى أنْ  تُرْزقَ  بقوتٍ  يوْميٍّ

ثَمّةَ  في خَاطِرها آمالٌ وقبّعَةٌ زرْقاءُ:

فحُكومَةُ مَا بعدَ  الثّورةِ  جادّةٌ في مُكافحةِ آفاتِ الفقرِ 

وتجْفيفِ مَنابعِ  الإرْهابِ.

ستَجوعُ  العَائلةُ (غيرُ الحُرّةِ) وتأكلُ منْ ثدْييْهَا ..

في انتظارِ أنْ  يتَوافقَ  الفُرَقاءُ على الدُّستورِ ، وسياسةِ  تأمينِ الغذاءِ.

الدّستورُ الجديدُ  سيَمْنحُ  هَويّةً  للعَائلةِ.

قبلَ  خَمسينَ عامًا ونيْفٍ ،

لمْ يَكنِ الأبُ مُنشغِلاً  باللّهِ،

لمْ  يكنْ يَتساءلُ حينمَا ينْهضُ  في  الصّباحِ: أهوَ عَربيٌّ – مُسلِمٌ أمْ  مُسلِمٌ  عَربيٌّ:

لمْ  يَكنْ  ثمّةَ أطفالٌ …

سَيولدونَ ويُنشِدونَ :

“نامتْ نواطيرُ تونسَ عنْ  ثعَالبِها … فقدْ  بشِمْنَ ومَا تَفنَى العَناقيدُ”

سَيجيءُ الدّسْتورُ وتَنطِقُ  الأمُّ  البلْهاءُ باللّغةِ  العَربيّةِ ،

      ضَاحِكةً مِلْءَ  شَدقيْهَا ،

والخُبزُ يفِيضُ  على  فمِها البرْبريِّ

المُضاءِ  بقوانينِ المَجلسِ التّأسيسيِّ…

ستضّاحكُ  الأمُّ حتّى تثورَ الثّوْرةُ الصّفْراءُ ، وتندَلقَ  الأمْعاءُ.

 

2 تعليقان

  1. محمد بن رجب

    نص جميل.رؤيته واضحة المعالم…ومعانيه كثيرة ..زاخرة بالالم..كالم هذه الام التي لا تحد رغيف الصباح…ولا حتى تتشمم رائحته.
    هل اسني النص قصيدة…
    هل ادخله باب الشعر رغم انه اجمل من الشعر في،صياغته اللغوية .وعمقه الفكري…
    هل من حقي بان اجعله في خانة «غير العمودي والحر»…قد تغضب عزيزي محمد بوحوش..لكني اجد نفسي في طقوسه و في جوانب فنية منه..او هل اتجرا اكثر واجعله في القصيدة المضادة…
    لن العب لعبة الوزن ولا الايقاعات ..
    ولن ادافع عن العمودي ولا الحر عندما اقرا ما تكتب منذ اكثر من شهرين….الا اني اجد نفسي معك في طقس نهاية الستينيات وبداية السبعنيات .فهل انت معي صديقي الحبيب محمد صالح بن عمر..وانت من انت في المتابعة والتمظير منذ عام 1967وانت من امت في النقدوالدراسة…ولن يتسى لك تونس..والبلاد العربية كلها ما قدمت للشعر…وللادب التونسي بصفة عامة وها انك نرفع من شان الكتابة التونسبة فتعرف بها شرقا ووتترجمها فتعرف بها غربا ….ادل بدلوك…وقل كلمة عن هذا النص …
    انا احببت بعمق ما كتب محمد بوحوش…الا ان طرقته في الكتابة جلبت انتباهي..ولم تتركني محايدا…وذكرتني بكتابات عمرها الان تقترب من الخمسبن…ثم امهزمت لان فرس الجماعةبدا هادئا يلحث عن خصوصية ما..واذا بها اي الفرس
    تركض بهم جامحة ويصل حدها الاهوج الى الهروب في اللغة والتيقاع …وفقد الشعر لونه وطعمه من اجل تاكيد امر لا يمكن تاكيده…الا وهوان نكتب تونسيا…وان نفكر تونسيا…وهذا غير ممكن فاللغة العربية واحدة ولا يمكن تونستها ولطا لا يمكن ان تكون ابداعاتها الا عربية..بخصوصيات محتلفة والوان عديدة..
    الا ان ما تم نشره..وما تم انتاجه في تلك الفترة المشحونة بالامل والحياة الشبابية الطافحة بالحب والرغبة في الابداع والتالق فيه…. ليس كله مرفوضا ولا كله مقبولا..انما هناك بعض النصوص التي احببناها ..وجاءت عند الحبيب الزناد ..والطاهر الهمامي ومحمد المصمولي ..و محمد احمد القابسي..وحتى احمد القديدي الطي بدا بسنابل الحرية الموظونة ثم اعتلى صهود جواد غير العمودي والحر فمبا به في رايي.
    ها اني احرك فيك اخي العزيز محمد صالح الذكرى والذاكرة…فماذا تقول في هذه« القصيدة »التي نشرتها الان…
    استكيع ان اكتب عن عمقها السياسي وبعدهاىالاجبي ..مضمونا…وعن طريقتها التعبيرية شكلا…
    لكني افضل ان تكون من هذه الساعة موضوع نقاش..وها انا ابدا…فمن ينكلق…وادعو الى ان يكون محمد الصالح هو البادي ..وهنا البادي هو الاسلم….

    • محمد بوحوش

      أستاذي العزيز محمّد بن رجب:
      شكرا على انتباهك ومتابعتك.ما كتبته هو نصّ نثر -شعريّ وفقا لرؤيتي الخاصّة للشّعر في سعي إلى ما يسمّيه عزّ الدّين المناصرة ” تبريد لغة الشّعر” بالتّخفيض من توتّرها واستعاراتها وتراكم صورها التي قد تِدّي إلى أفول المعنى وتلاشيه على حدّ تعبير أستاذنا محمّد لطفي اليوسفي، مع التّخفيف من حدّة الايقاع وتقريب المعنى إلى المتلقّي في إطار المعادلة بين الشّاعر والجمهور والمصالحة بينهما حيث غدا ما يكتب من شعر كثير مجرّد استيهامات وتعويم للمعاني في مناخ من المطلقات والعموميّات .فظلّ كثير من الشّعر بمثابة أحجيات وألغاز ينفّر القارئ فيما مسعاه هو تقريبه إاليه.
      لقد أعجبني تعليقك ونقدك فأنا أكره المدح وأحبّ النّقد ووفقه أقوّم ما أكتب.عموما هو نصّ كما ارتأيته وفق رؤية لا تخلو من الوضوح الوضوح والتّبسيط وهو منحى يجنح إليه الشّعر الحديث .فشكرا مجدّدا لكم وجزيل الشّكر لأستاذنا الجليل محمّد الصّالح بن عمر الذي فتح هذا الفضاء للكتابة والحوار .محبتي لكما وتقديري.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*