تلك الكراسي: قصّة قصيرة لمحمّد أسعد سموقان – اللاّذقيّة – سورية

محمّد أسعد سموقان

محمّد أسعد سموقان – اللاّذقيّة – سورية

rangée-tordue-des-chaises-en-bois-51402037

“يالله كراسي.. عالكراسي …اللي بدو يبدِّل قديم بجديد” !!

هذا النداء الصباحي اليومي من بائع الكراسي ومبدِّلها هو اللحن الذي نسمعه كل يوم ..يترددُ الصوتُ ويتكررُ. فرحتُ أقومُ من على كرسيّ لأرى هذا البائع.

هو يركَب عربةً يجرها حصان أو لنقل بغل، إنها كومة من الكراسي والطاولات والتربيزات المكسورة وبعضها جديد أُعدّ من أجل الإبدال 1

مشهد الكراسي هذا ، ذكّرني بمعرض /كراسي كراسي/ الذي أقيم في صالة إيمار باللاذقية، والله يرحم تلك الصالة الوحيدة الخاصة التي عرفتها مدينة اللاذقية ، والتي لولاها لما تذكرت الآن معرض الكراسي الذي ُعُرضت فيه كراسٍ ذات أشكالٍ مختلفة، منها ذات المسند الطويل المبالغ في طوله ، ومنها الذي له مسند قصير جداً أولا مسند فيها البتة , وكذلك هي حال المقعد والقاعدة، ومنها المربع والدائري والمستطيل وشبه المنحرف والمستقيم، أشكال متعددة للكراسي ولها سيقان مختلفة الأطوال والأشكال،فتختلف الكراسي كما تختلف اللوحات في أي معرض للوحات الرسم . إنها لوحات تشكيلية،أو بمعنى أدق كراس تشكيلية.
أذكر أني يومها اقتربت من كرسي وراقبته بدقة، ثم راح ذهني يبتعد أكثر إلى الذي سيجلس عليه! ما هي مواصفاته؟ وكيف سيكون؟ وهل هو كمن يجلس الآن على بعض الكراسي،فملّوها وملّتهم، والآن أهي الكراسي وأصحابها بحاجة إلى الإبدال؟ فبائع الكراسي في حارتنا يبدل الكراسي, ولا علاقة له بمن يجلس عليها…!

أ تصبح الكراسي ت جزءاً لا يتجزأ من الذي يجلس عليها، وتخلق تلك الألفة والحب بينهما..؟!
فالجسد.. وتلك الكتل اللحمية،هي غير قابلة للإبدال . والبائع المتجول في حارتنا لا يستطيع إبدالها..
ما أجمل ذلك المعرض الذي له هذه الدلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية!
وهو معرض متجول قابل للعرض في صالات مختلفة، فتتوسع الدلالات التي يأخذها الكرسي كلما تغيّر سياق العرض .فيهز الكرسي ،ويغيب من يجلس عليه ..فغياب عنصر ما يؤكد حضور الآخر..! حتى ولو حضر ذلك الآخر فهو يحضر ككتلة لحمية فقط تذوب وتنحل على الكرسي.
لا حسيس و لا حركة سوى الذوبان و قابلية اللصق على الكراسي !

وحضور الكرسي يعني حضور الطاولة والمكتب والعجلات وإمكان الدوران واللف والنظر إلى المشاهد الذي يزور المكتب حسب أهمية هذا الزائر وتأثيره، لا في تغيير الكرسي وقاعدته فقط، بل ع في تغيير الكتلة اللحمية التي تجلس على الكرسي، ووضع كتلة أخرى قد تكون أكثر ليونة !

ولعل الفنان فرنسيس بيكون لم يكن مخطئاً عندما قدم الأجساد الذائبة أو تلك التي تذوب على كراسيها ،كلحم ينحل على قاعدة الكرسي ومسنده. والذوبان يصل إلى الأرض والمسرح، وهو يحركها على عنصر الكرسي, فيقدم سياقات مختلفة ومغايرة، فيستمتع المشاهد بهذا التبديل للمشهد من لوحة إلى أخرى، ولكنه لم يستطيع أن يسبق بائع الكراسي ومبدُّلها في حارتنا الشعبية، حيث يبدل القديم بالجديد..وأنا إلى أن يحصل التبديل على الأجساد أيضاً والعقول إن وجدت !

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*