بشر وشجر وحجر : قصّة قصيرة لمحمّد أسعد سموقان – اللاّذقية -سوريا

5291

محمّد أسعد سموقان

-شجر-

رسمَ ورقاتها ..ورقة ورقة ..كدَّس بعضَها فوق بعض ، لوَّنَها بالدم والعرق، أحاطها بالضّوء والبرق، وزَّعَها في كل مكان..
حماها بالأغصان …سمحَ لقطرات الندى أن تنفذَ إليها لتتلألأ بأشعة الشمس..
شكَّل منها ومن حركاتِها موسيقا الصمت والحلم …موسيقا عوالم بعيدة …خفية أحياناً وظاهرة جذابة في أكثر الأحيان .
رسمَ لها أفقاً من أوراقٍ مغايرة تحمل جواباً لصدى ..! تستقبل الضوء والنسيم , العتم والضوء .. الشمس اللاّهبة والريح الصاعقة ، هي مملكة الغابة بصمتها وحزنها ،برقتها وجبروتها ، تتوالد بشكلها وتشاكلها بعضها مع بعض .تنسجم وتتنافر،غابة وحشية عذراء . سماها الغاب لجبروتها ومتانة جذوعها لأنها تلثمُ شفاه أقسى الرياح وأشد العواصف،وسمَّاها الغابة لفرح الأوراق بأغصانها التي تنمو بهدوء وتختبئ تحتها النمور والسباع … ولا تحس إلاّ بحركة أنفاسها تتلاقح مع حركة الريح والشمس.
هي أشجار تُرى بالعين وهي ضوءٌ وحركة لمكان ما …لأمكنة وأزمنة تحمل آفاقَ التاريخ..قبَّلها البعل واليم .. فتعاقبت قصص الزمان
وكُتبت قصائد الحياة والقوة .

-بشر-

رأى في البشر أشجاراً .. وفي الأشجار بشراً ومخلوقاتٍ أسطورية ..
رسم البشر وهم يتراكضون ويرقصون في دوائر .
هم نحيلو القامة ،أجسادهم رشيقة كرشاقة البعل ..بعضهم يرتكز على الأرض وبعضهم يطير في السماء التي يتغير لونها من لوحة ،لأخرى ..لأنها دوماً تتهيأ لاستقبال قادمين جدد .هي بسط مزركشة بكل الألوان ..

. .. وتزرقُّ أحياناً، حين يختفي رأسٌ متطاول أبيض ..بين الغيم ..فتصبح الغيوم رؤوساً لبشر وحيوانات وأهلّة.
آخرون لهم نفس القامة ،محمَّلون بخصوبة الأرض ،يتجمعون على مائدة
حول ورقة شجر ، أَطلق اسم العشاء الأول على هذا التجمع لأنه – كما يقول – بداية الحملة لحماية البيئة -. حمايتها من الحرائق ومن نيرانٍ عدوّة . من الذين يدوسونها فيلوثونها ومن الذين يأكلون ويرقصون تحتها فيلوثونها..ومن الذين يرسمون أشجارها فلا يُحسنون الرسم فيلوثونها

-حجر-

جزّأَ تلك المدينة القمرية بألوانها الشفافة .فجعلها أشجاراً حجرية وبشراً من حجر ..فكَّر .. كيف يجد الجمال دروباً بين ثمارٍ من حجر وأغصان من صوّان . لقد فككوا الحجارة وراحوا بها يتراشقون .. فغطت الدغلة البعيدة .سمعتُ أنينها ورأيتُ نصب الحجارة فوق نصبِ الدغلةِ .
فأيُّ نصب أبقى منكِ أيتها الدغلة …وأيةُ ذكرى أهم من ذكراكَ أيها القصب ! فطوبى للعين التي رأتك وللقلب الذي رسمك .

sylvebarbe

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*