ريحٌ معلقة على ستارِ الأسئلةِ: شعر: عبّاس ثائر – ذي قار- العراق

عبّاس ثائر


كيف حالُكُ أيّتها الرّيحُ؟
ما زلتُ بخيرٍ: أطأ الأرضََ التي أشاءُ،
أحرّكُ البابَ الذي أريدُ،
حتّى يظنَّ المنتظرونَ أنّي شخصٌ قديمُ الغيابِ، وقد عادَ.
أصعدُ عاليًا، أُفصِحُ عن عرْيِ نخلةٍ ما،
أعبثُ بغصنٍ كان يسألُ نفسَهُ:
أكان أبًا لتلك الثّمارِ، أم كانَ أمًّا لها؟
هل كانت ثمارهُ ورَمًا في يدِ الشّجرةِ؟
سمعتُ تلك التأمّلاتِ، فذابَ اليقينُ،
بزغَ الشكُّ، وصاحَ ضوءٌ بعيد: الظلامِ وضوحٌ لمن يخافُ النّهارَ.
غضضتُ عن صوتِهِ، سرتُ بنفسي،
تجاهلتُ الوارداتِ من الأسئلةِ،
كان بريدُنا -بريدُ الرّيحَ- معطّلًا إلاّ من العلوِّ.
مرّةً، لويتُ غصنًا كان عنيدًا؛ لم يُضحِ برعاياه الثّمار، فامتنعتُ، سقطتْ أسئلةٌ
من فمهِ: كيفَ كانتْ طفولةُ الهواءِ،
كيف كبرَ الهواءُ؟
هل الهواءُ طفلٌ كبُرَ فصارَ ريحًا، أم هلالرّيحُ امرأةٌ أزاحتْ هواءً كان يمشي بطيئًا؛
فوصلتْ قبلهُ؟
كيف حالُكِ أيّتها الرّيحُ؟
لم أعدْ كما السّابقُِ؛ صرتُ أمًا
ولي أطفالٌ، أظنُهمْ ما زالوا هواءً صغيرًا.
البارحةَ مررتُ بشجرةِ البلّوطِ
رأيتُ غرابًا، رأيتُ ناسًا، رأيتُ كلابًا،
عرفتُ أنّ الغرابَ ليسَ مشؤومًا،
كان – فقط – أوّلَ شاهدٍ على أقدمِ جريمةٍ،
أقدمَ من رأى رأسًا مهشّمة، وأمًا تنعى ولدًا، وأبًا أكلتْهُ الحيرةُ،
أوّلَ الشّهودِ على أقدمِ حيرةٍ، وأوّلّ دمعةٍ لأبٍ. شاهدٌا على أوّلِّ خطيئةٍ،
وأقدمَِ محرّضٍ على سترِ الجريمةِ،
كان يقولُ: في النّوايا الحسِنةِ أخطاءٌ لم نلحظْها..
بالقرب من شجرةِ البلّوطِ، والغرابِ والإنسانِ، والكلبِ، حلّقت لغيمةٍ
قال عنها برودسكي:
أترى الغيمةَُ في السّماءِ؟
هذه روحُهُ
تلمّست روحَهُ، عرفتُ: أنّ الغيومَ أرواحٌ حلّقتْ، وأنّ المطرَ بكاءُ روحٍ مشتاقة.ٍ.
كيف حالكِ أيّتها الرّيحُ؟
أنا بخيرٍ؛ الآنَ فهمتُ أين تذهبُ الرّوحُ
إذا ما دُفنَ الجسدَ.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*