قراءة في ديوان تيممّي برمادي للشاعر العراقي يحيى السّماوي: حزمة من حطب الغربة في بستان العشق الضّوئيّ: بقلم : قاسم ماضي – ديترويت – الولايات المتّحدة الأمريكيّة

يحي السماوي -شاعر عراقي مقيم بأستراليا

قاسم ماضي – ناقد عراقي مقيم بديتروت – الولايات المتحدة الأمريكية


يعملُ بصمت ، كلماته قادمة من عوالم أخرى ، ومضامين وصور حية تنبض بالحياة ، حتى إنّ قصائده كالريح فوق أغصان المحبة المفقودة  في عالمنا الميت الذي يعجّ بالحروب والتوابيت ،هذا العاشق الولهان رغم خريف العمر،وكأنه يسبح في معترك العشق الذي رسمه لنفسه الملتهبة لعالم  المرأة الغامض ، ليس هذا فقط وإنما يرسم غربته والوطن في وعاء لا يخرج منه إلا بصعوبة ” والشاعر ” السماوي ” كما أجده في عصرنا الراهن”شاعر بحجم الأمة ” بما يقدمه الأن للأدب والثقافة العربية، وكأنه نذر روحه الهائمة لمحبة البشرية .وكما قال “أبن منظور” الشعر منظوم القول غلب عليه لشرفه بالوزن والقافية ، وإن كان كل علم شعرا .
” كنُ عاشِقا ً لا تُساقي قلبه ُ امرأة “(ص 18)
فالشاعر “السماوي ” كما غيره من الشعراء الذين سبقوه فهو يدرك اليومي والمألوف ،وتأثيرهما فيه وكيف تكون أصداء هذا التأثير في نفسيته حتى تتحرك في داخله وتخرج شعرا ًوكأنما يرسمها بواقعية كي تخلد قصيدته التي تعبر عن شخصية الشاعر الواعية . وحتى يأخنا إلى مرابع اللغة والكتابة فهو دائم الحراك والتجريب باستخدامه لغة فارهة وفيها من المخيلة الكثير عبر اجتراح صورشعرية طازجة وفيها من الحلاوة الكثير:
” ولماذا جئتني في آخر العمر ” (ص 27)
هو يشتغل على الكثير من آليات الشعر العربي القديم والحديث، قلب جميع الصفحات التي شغلت تفكيره في الشعر العربي منذ تعلمه القراءة والكتابة ، وعرف جميع بحور الشعر،ولو تفحصنا جميع دواوينه لو جدنا  كل ديوان منها يتضمن تجربة  مغايرة لسابقتها ،
“وأن عطرَ زفيركِ الليلي ،أشذى من رذاذ الياسمين،ومن رحيق الزنجبيل ” (ص122)
وفي قصيدة ” بدرً من الماء والياقوت “وغيرها تجلت اللغة القرانية الرائعة المرسومة بإحكام في معظم قصائده المنشورة في دواوينه الحديثة والقديمة التي  اطّلعنا عليها ،ويبدو أنه مطلع على القرآن الكريم اطلاعا دقيقا  ومحيط بكل  معانيه ،هذا الطائر الذي ينزف شعرا ويجدد قضاياه اليومية وهو يستعير عدد من الصور حتى يحاكيها بالحبر السائل يجعله يثق بما يكتب .
” أتاني من وراء ِالبابِ ،ناداني لِتدخلي فأنا قد هَيتُ لك ” (ص30)
ويجد نفسه في هذا المجال  كالطائر الذي لا يوجد غيُره في عالم السماء ، ولأنه تربى في بيئة تعكس انفعالاته الداخلية وما يحيطه من ضجيج هذا العالم الذي شبههُ بخيمة كبيرة ممزقة   الوطن ،ولأنه مهووس بالشعر،وهذا الهوس الذي يعلو في فضاءات الغربة المقيتة  ،تلك التي شكلت له عالماً خاصاً به ،حتى أخذته سنو “الغربة ” إلى مطافات آخرى جعلته يشدو في سماء غربته التي أنتجت لها مصدات كثيرة في عالمها الذي يجعلك تتفرد بمغزلك الشعري ، والذي أراد منه أن يكون أداة محركة لتلك الذكريات والأحداث الآنية التي ربطها في ديوانه الجديد وكأنها مرثية يشيع بها الأحبة .

أحدو وليس سوى الأوهامِ قافلةً
بين المنافي حسيرَ الحزنِ والكدر ِ
يقول عنه الناقد ” جمعة عبد الله ” نجد الطراوة والحلاوة في اللغة الشعرية المبهرة  لدى الشاعر العراقي المعروف “السماوي “نجد الأندهاش في الأداء الفني والتعبيري   في شفافية ملهمة ، في جوهر الأشياء الروحية والمادية ،  في محسوساتها المتفجرة ،ولهذا أخذتني قصائد هذا الديوان  ” تيمًمي برمادي ” إلى  مديات أخرى حتى شعرت أنني أتكئ على عالم كامل من فيض هذه المشاعر العفوية والراقية والمؤثرة، وأنت أيها القارئ  تستلهم مصدرها من أحاسيس هذا الشاعر “السماوي” الكامنة في داخله المعبإ  بالعشق والسكون .وشاعرنا ” السماوي  ” بقوة أفكاره وما يؤمن به من فلسفة شكلها مشواره الشعري ، منذ أن جعل للمفردة صورا مختلفة عاجة في البانوراما التي ترسمها قصيدته التي أشعلت في داخله هذا العشق الضوئي ، ولهذا يتبين لنا دلالة على قدرة ” السماوي ” على اللحاق بأفق مفتوح لقصيدته التي لاتكتمل.

يا جنة الله في قلبي ويا قمرا
من الأنوثة أدناني من القمر (ص19)
ولو دققنا كثيرا في جميع دواوين هذا الشاعر المتفرد لوجدنا أنه أطلع على  الكثير من الثقافات والتجارب ،وأنتج وأبدع ،ووجدت في هذا الديوان وخاصة عن المرأة هي الحلم، الأم، الجمال ، الدفْ ، الحبيبة ،
فَلقَ الوردةَ رَبًُ الفلق ِ، فتجلت شفتين
ومن الجدير بالذكر هذا الديوان “تيمّمي برمادي ” للشاعر العراقي المعروف بين الأوساط العربية والعراقية ،هو من القطع المتوسط ويقع في 176،وهو من إصدار مؤسسة المثقف العربي – سيدني-استراليا

قاسم ماضي – ديترويت

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*