إذا الشعبُ لم ينحَتْ من الصّخرِ غيمةً : عبد الله سرمد الجميل – شاعر من العراق

عبد الله سرمد الجميل

صباحُكِ خيرٌ والبلادُ خرابُ   

وفيروزُ قد طارَتْ وحلَّ غرابُ

أرى الشّمسَ تُقلَى في السّماءِ كبيضةٍ

بنارِ همومي والزّيوتُ سحابُ   

وكانَ صياحُ الديكِ يُوقظُ حَيَّنا

فصارَ انفجارٌ مُوْقِظاً وذئابُ

ومهما فتحْنا في الجدارِ نوافذاً

ستائرُ تُرخى حاكَهُنَّ غيابُ

صباحُكِ خيرٌ، لا تعودي لِمَوْصِلٍ

فشَعْرُكِ لا يُرمَى عليهِ حجابُ

وأنتِ حريرٌ كيفَ تمشِينَ بينهم

بمجتمعٍ فيهِ العفافُ نِقابُ

وللنّاسِ أشكالٌ وعينٌ مريضةٌ

ونابُ أفاعٍ سالَ منهُ لُعابُ

إذا الشعبُ لم ينحَتْ من الصّخرِ غيمةً

لَأحرى بأن يُلقى عليهِ ترابُ.

صباحُكِ خيرٌ يا حبيبةُ إنّني

لكلِّ حكايا العاشقاتِ كتابُ

خطوطُ يدي عوجاتُ حيٍّ تهدّمَتْ

تُصافحُني الأيّامُ وهْيَ صِحابُ

وللنّهرِ طبعٌ كالعجينِ تمدّداً

بمِدْلاكِ ريحٍ والضّفافُ سِغابُ

أكوِّرُ أخشاباً، أنمِّقُ خضرةً

وليسَ بغيرِ الزّنبقاتِ أُثابُ

وحينَ أَذُمُّ الأرضَ أقصِدُ ساسةً

فليسَ على أهلِ البلادِ سِبابُ

تقطّعتِ الأسبابُ بينَ مدينتي

وصرّحَ كلُّ الحاقدينَ: عِقابُ

مُحافظَنا تدري بذكرِكَ عندَنا

يعوذُ أُناسٌ أو يطِنُّ ذُبابُ ؟!

صباحُكِ خيرٌ، إنّني الآنَ راصدٌ

جليدَ اخضرارٍ بالخريفِ يُذابُ

ولسْتُ أقولُ: الغصنُ هزّتْهُ ريحُنا

ولكنْ خيوطٌ أصلُهنَّ سرابُ

خيوطُ دُمىً في مسرحِ الجوِّ عُلِّقَتْ

بنجماتِ وَجْدٍ ضوءُهنَّ ثيابُ

كأنّا طوينا البحرَ تحتَ جفونِنا

وأغلاطُ بعضِ الخائفينَ صوابُ

صباحُكِ خيرٌ، أنتِ آخرُ نخلةٍ

بها عادَ فينا للعروقِ شبابُ

صبرْتِ على خوفٍ وتلكَ شجاعةٌ

وأعطيْتِ كنزاً والعراقُ يَبابُ

وَرِثْنا طِباعَ النّخلِ في كلِّ غايةٍ

عِنادٌ كحبّاتِ التّمورِ صِلابُ    

مناراتُ كشفٍ للغريبِ، مظلَّةٌ

تُجيرُ حماماً حينَ كرَّ عُقابُ

صباحُكِ خيرٌ، قيلَ: مَنْعُ تجوُّلٍ

ففرَّ أُناسٌ ثُمَّ أُطبِقَ بابُ

تجوَّلْتُ في عينيكِ ثمَّ أضعْتُني

وما طابَ لي بعدَ الضّياعِ إيابُ

لمحْتُ انتصاراً وانكساراً فليتَني

لهذي اللّيالي الحالكاتِ شهابُ

كأنّا رضعْنا الحربَ من ثديِ موطني

ففي كلِّ يومٍ فتنةٌ وخِطابُ

صباحُكِ خيرٌ، في الحديقةِ عالَمٌ

تأمّلْ تأمّلْ كي يزولَ ضبابُ

عليكِ بقلعِ الدّغلِ فالشوكُ واضحٌ

ورُبَّتَما زَهْرُ الأصيصِ حِرابُ

أُشذِّبُ ظلّاً إن تطاولَ ها هنا

ونافورتي منها يطيبُ شرابُ

خليةُ نحلٍ كالمدينةِ هُدِّمَتْ

ووردُ المنافي ليسَ فيهِ مآبُ

مساؤُكِ خيرٌ، في المطارِ تجاذبَتْ

خيوطَ ثيابي دارتي وهضابُ

غبَطْتُ طيوراً لا جوازَ يَحُدُّها:

سهولٌ، صحارى، أبحرٌ وشِعابُ

وما بينَ توديعٍ وحضنةِ عائدٍ

تأخّرَ عني موعدٌ وجوابُ

لأبقى وحيداً في المطارِ مغنّياً:

لقد سرقوا منّي الفؤادَ وغابُوا

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*