ومضُ الرّؤى: خطراتٌ في هواجس الحسين بن منصور الحلاّج : أحمد عبد العزيز الحمد- حمص – سورية

أحمد عبد العزيز الحمد

لَكَمْ حارَ فيهِ الأنامُ .. وتاهُوا !
لهمْ .. أنْ يثوبُوا إلى غِيِّهِمْ مُعرِضِينَ ،
ولي .. أنْ أُماهي اليقينَ
إلى أنْ تصيرَ (أنا)يَ .. (أنا)هُ .
وَلِيْ .. أنْ أعودَ إلى داخلي مستنيراً ،
وأقفوَ حَدْسي إلى مُنتهاهُ .
ولي .. أنْ أُطيعَ رؤايَ ،
لَعَلّي ، إذا غابَ عنهمْ .. أراهُ !

فيوضٌ من النُّورِ
قد وَحَّدَتْني بأَلْطافِهِ ، فاسْتَضَأْتُ ،
فخافَ الملوكُ ، لأنَّ الملوكَ لهم غيرُ نورٍ ..
وما لي سِواهُ .
عَصَيْتُ الضَّرورةَ حتَّى رأيتُ
بأنَّ التمادي بطولِ التشهّي حرامٌ ،
وأنَّ شجى النفسِ من نفسِها !
وآمنتُ أنَّ مدى الأرضِ أضيقُ ممّا يُظَنُّ
وأنَّ الكثيرَ من الحلمِ إثمٌ ،
وحريةَ النفسِ في حبسِها !
عصيتُ الضرورةَ ..
حتى عروجِ الكلامِ إلى ما لا يطيقُ البيانُ ،
فقالَ به القلبُ ما لم تقلْهُ الشفاهُ !
عَصَيْتُ الضَّرورةَ ..
حتَّى نزوعِ النعاسِ إلى صحوةِ الإنتباهِ ،
وحسمِ النزاعاتِ بينَ الحقيقةِ والظنِّ ،
وحتى انحياز البصيرةِ للومضِ والاحتراقِ ..!
فلِي أنْ أضيء ،
وهُمْ يسألونَ الغياهبَ : ما (هُوْ) ؟!

أنا سيِّدُ العاشِقِينَ ،
ولكنَّني لم تَصِدْني مَهَاةٌ
على جِسرِ بغدادَ يوماً ،
ولا ذاتَ حبٍّ ـ على شغفِ القلبِ ـ إنسانةٌ أنكرَتْني›1،
ولم يبتدِئْ خافقي بالسِّبَابِ .. هَواهُ !
ترشَّفتُ خمراً بلا والدين›2‹ :
حوانيتُ بابل لم تحتضنها ،
ولا أنجبتْها الدوالي على الرافدينِ !
فيا خُسرَ راءٍ ،
إذا لم يرَ دنَّها مرّةً .. في رؤاهُ !
عرجتُ بأسرارِها الخافياتِ إلى أن فنيتُ ،
وحتّى تَنَـزَّهَ عن سَطْوَةِ الأرضِ حَالي ،
فزاغَ الملوكُ
كزَيغِ الذي أُبْهِرَتْ مُقلتاهُ .
تنادَوا وقد أجْمَعُوا جَهلَهمْ : ” أَحْرِقُوهُ ” !
فخفْتُ ..
وأنّى يخافُ على نفسِهِ في (أنا)يَ الإلهُ !
خَشِيْتُ على خوفِهِم أن يخافَ
إذا مَسَّهُم بعضُ وَمْضِي ،
وخِفْتُ على ليلِهِم .. مِن سَنَاهُ !
ذرفْتُ الدُّعاءَ لهم
بالشِّفاءِ من الإثمِ في كُلِّ كشْفٍ .
دعوْتُ على ليلِهم أن يَزولَ .. عَمَاهُ .

بكيْتُ .. بكيْتُ
بما أُوْتِيَتْ دمعَتي مِنْ حَريقٍ بكيْتُ ،
لأنِّي بنفْسي رأيْتُ الذي لم يَرَوهُ ..
وقلبي رآهُ !
……………………………………….
1- إشارة إلى قول أبي فراس :
وَفَيْتُ وفي بعـضِ الوفاءِ مـذلَّةٌ    لإنسـانةٍ في الحيِّ شيمتُها الغدْرُ
2- إشارة إلى قول أبي نواس في الخمرة :
رحيقاً أبوها الماءُ والكرْمُ أمُّها   وحاضنُها حرُّ الهجيرِ إذا يحمى !

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*