حوارات مجلّة “مشارف” (: السّلسلة 2 )–5– مع الشّاعرة العراقيّة أفياء الأسدي

من هي أفياء الأسدي ؟

ولدت أفياء الأسدي ببغداد (العراق ). تشتغل محامية .تولّعت بالشِّعر منذ سنّ الثّامنة . تكتب الشِّعر بأنواعه الثّلاثة :العموديّ و الحرّ والمنثور. تعرّف تجربتها الشّعريّة بقولها : “الوجع وقود قصائدي وأنا وقود الوجع”.تكشف قصائدها عن حسّ جماليّ مرهف وقدرة فائقة على تحويل الألم إلى مصدر للإدهاش.

وهي ناشطة سياسيّة تشارك على نحو حثيث في الحرّاك الشّعبيّ منذ انطلاقه في العراق.

السّؤال 1 : لم يبرز في تونس ،على سبيل المثال ،أيّ شاعر محام على عكس القضاة.وكذلك الشّأن في الغرب.لكنّك شاعرة ومحامية . فكيف تفسّرين هذا الاستثناء؟

أفياء الأسدي : لا أعتقد أنّ المهنة لها علاقة بالقصيدة، لكنّني استطيعُ أن اؤكّد أنّني أهرب إلى القصيدة من مهنتي الجافّة التي تفرض عليّ التّعامل بالعقل أكثر من القلب، هذا ما يشكّله الشِّعر بالنسبة إليّ ،فهو  المعبر المبلّل فوق وادٍ من الجمر.

.

السّؤال الثّاني : أغلب الشّعراء والشّاعرات من الجيل الجديد في العراق اختاروا الكتابة في قصيدة النّثر .لكنّك وأنت من هذا الجيل تميلين إلى الأوزان والقوافي.فهل هذا اختيار شخصيّ مبرَّر أم هل يرجع إلى تكوين معيّن ربّما تلقّته في محيطك؟

أفياء الأسدي : إنّ الشّاعر يستقي من محيطه أكثر ممّا يُدرك ، وربّما لأنّ قراءاتي الأولى كانت الدّواوين ذات البحور و الأوزان وقعت في غرام القصيدة الموزونة و وجدت يدي تكتبها، لكنّي أكتب النّثر أيضا ، بل و أحبّه ، ليس بالسهولة التي يظنّها الكثير ، إيقاع النّثر الدّاخليّ يوازي إيقاع القصيدة الموزونة وله ضوابط نفسيّة رفيعة جدّا يجب أن يُحافظ عليها. في كلّ الأحوال الشِّعر هو شِعر ، لا يحدّه هيكل ولا يؤطّر في شكل شِعريّ واحد.

السّؤال الثّالث: تطغى على معظم قصائدك نبرة كئيبة عميقة تمازجها نزعة قويّة إلى التّمرّد. هل مرّد ذلك إلى استعداد فطريّ له صلة بطبيعة شخصيّتك أم هل هو ناتج عن الوضع المتفجّر السّائد في العراق منذ قرابة الثّلاثين عاما؟

أفياء الأسدي : أعتقد أن ذلك له علاقة بطبيعة الشخصية إن سُمِحَ لي بتحليل ذاتي على الورق ، أما الوضع المتفجر في العراق سياسيا و أمنيا فهو دافع أكثر من كاف لأي عراقي أن يقول كلمته و يتمرد على كل الأرصفة التي يبللها الدم لا الندى ، هذه الحرقة في البلاد كفيلة بأن تطيح عروش الفساد و تبنّي قبة ملونة من الأحلام كذاكرة جمعية على الحلم الكبير بالحرية والأمان .

السّؤال الرّابع : تزامنت إقامتك منذ بضعة أشهر بمدينة بوردو الفرنسيّة مع صدور المجموعة التي ترجمتها لك إلى اللّغة الفرنسيّة .كيف كانت ردود الفرنسيّين التي اطّلعوا عليها ؟

أفياء الأسدي : لقد لاقت المجموعة إعجاب كل من قرأها باللغتين وأشاد الاصدقاء الفرنسيون بترجمتها الرقيقة و دقة التوصيف باللغة الفرنسية فيها حتى أن جميع النسخ نفدت خلال فترة بسيطة.

السّؤال الخامس : في فترة معيّنة كتبت كثيرا عن الحبّ ثمّ تركت هذا الموضوع فجأة .هل كانت الأحداث الأليمة التي لم تنفكّ تتلاحق في العراق وراء تخلّيك عن هذا الغرض؟

أفياء الأسدي :  لم أتوقّف عن الكتابة في الحبّ لكنّ الحبّ في هذه المرحلة من تاريخ العراق هو حبّ الأرض والماء و الخضرة و العلَم ، حبّ الحرّيّة و الأمان و الاستقرار ، حب القانون و النظام و المدارس والمستشفيات والشوارع التي يطالب بها المتظاهرون الأحرار ولا حبّ يعلو على حبّ الوطن.

السّؤال السّادس : نراك متحمّسة إلى أبعد الحدود للحراك الشّعبيّ الجاري حاليّا في العر اق.هل تعتقدين أنّ هذه الوسيلة في النّضال يمكن أن تفضي إلى نتائج إيجابيّة بعد أن أخفقت في بلدان عربية أخرى مثل السّودان والجزائر ؟

أفياء الأسدي:  إنّ الحراك الشّعبيّ في كلّ البلدان هو خطوة كبيرة ومهمّة لإنجاز ما تحلم به الشّعوب . من قال  إنّ السّودان و الجزائر أخفقا في النّضال الشّعبيّ؟  لقد اكتشفت البلدان العربيّة حبّ البلاد بالطّريقة الصّعبة . ففي الوقت الذي يحبّ النّاس بلدانهم لأنّها بلدانا حضاريّة ، يحب العرب بلدانهم ،أملا في شفاء الأرض من كلّ الأوبئة الفاسدة التي حكمتها، كلّ خطوة تجاه ساحة الحرّيّة هي خطوة نحو الشّمس و أمل يشرق في القلب لا يطفئه الخراب.

السّؤال السّابع : وعد الأمريكان وحلفاؤهم بعد غزوهم للعراق بإعانة العراقيّين على إقامة نظام ديمقراطيّ.فهل تعتقدين أنّ الوضع السّائد في العراق منذ سبع عشرة سنة أفضل ممّا كان عليه في عهد صدّام حسين؟

أفياء الأسدي : يطول الحديث عن هذا الأمر في المقارنة بين نظامين مستبدّين ، لكنّي أستطيعُ القول إنّ العراق ليس بخير منذ أكثر من ٥٠ عاما ، حتّى المجتمع قد تغيّر ، لو تشاهدون فقط صورا فوتوغرافيّة للعراق الذي كان ، لو قرأتم الكتب التي كانت، لإعتصرت قلوبكم الحسرة التي في قلبي .

السّؤال الثّامن : تتباين مواقف الشّعراء من الشّعر الذي ينشر على الفايسبوك .فما هو موقفك الشّخصيّ منه؟

أفياء الأسدي : لي ذاكرة سيّئة بشكل جيّد وهي أنّني متخلّصة من سطوة الاسم ، أقرأ المكتوب ثمّ ألتفت إلى صاحبه، كي لا يؤثّر في حكمي معرفتي بجودة كتابته من عدمها ، لكنّ العالم الإلكترونيّ جعل الجميع يكتبون ، الجيّد والسّيئ . و بقدر تحفّظي على الكثير من الكتابات التي تستنزف الجهد و الوقت في الاطلاع عليها  أظنّه أفضل من حمل السّلاح ، آذ الكتابة قادرة على إنقاذ حياتنا.

السّؤال التّاسع : العالم اليوم تهيمن عليه دول عظمى وشركات متعدّدة الجنسيّات لا غاية لها سوى خدمة مصالحها حتّى و إن كان ذلك على جثث الشّعوب .ففي سياق تاريخيّ كهذا هل ثمّة دور يمكن أن يضطلع به الشّعراء؟

أفياء الأسدي : يتحوّل الشاعر إلى مؤرّخ حين تتعرّض بلاده إلى نكبةو أظن  أنّ هذا يشرح كلّ شيء.

السّؤال العاشر  : ما هي مشروعاتك في العاجل والآجل؟

أفياء الأسدي  :أعمل على تحضير ديواني الذي تأخّرت كثيرا في إصداره و سيكون من الشِعر الموزون ، بين العمودي و التفعيلة ، و ربما سيليه ديوان نثر في وقت ليس ببعيد، أنا مهملة في الطّبع و التوثيق ، لذلك كانت أمّي في صِغري كثيرا ما  تجمع أوراقي و تحميها منّي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*