المحطّاتُ التي توارثَها القطارُ بلا مأوًى : شعر: محمّد حسني عليوة – القاهرة – مصر

محمّد حسني عليوة

 

المحطّاتُ التي توارثها القطارُ

كمبيتٍ مؤقّتٍ

يتركُ في كلِّ واحدةٍ منها

قُبلةَ رجلٍ بوجهِ طفلٍ

أو لهفةَ امرأةٍ على زجاجِ نافذةٍ

أو طعمَ تبغٍ لاذعٍ

على طاولةِ مقهى يضُمّ مُحطَّمينَ.

-*-*-

أوَ ليس لدى القطارِ امرأةٌ

يبيتُ في قفصِها الصّدريِّ

يغسلُ في طستِ طيبتِها

وجعَ المعذَّبينَ من مزاملتِهِ

كطائرٍ أنهكهُ الفراغُ الرّحبُ تحليقًا

وأنساهُ مكمنَ الرّحمةِ في “وطنٍ”.

 

الأرصفةُ تأخذُهُ بالأحضانِ،

ولحُطامِه النّفسيِّ،

تمنحُهُ فخذيْها المباركينِ بالدّفءِ

تمنحُهُ قسطًا من مشاغباتِ الطّفولةِ

وتُبقيهِ على وهجِ المرحِ.

 

الأعمدةُ المنكّسةُ الكشّافاتُ،

تدلي رأسَها المشعرَ بأعشاشِ العصافيرِ

وتمسحُ عن عرباتهِ المنهكةِ غُبارَ السّفرِ.

 

نُظّارُ المحطّاتِ يأكلونَ الجبنَ القريشَ

يدخّنُون سجائرَهم بِغلٍّ، ولا يشربونَ “فودكا” الفقراءِ  

خِشيةَ التّفتيشِ المفاجئِ عندَ الحاديةَ عشرةَ صباحًا

وفي المساءِ، يُفقِدونَ الوقتَ عذريّتَهُ بالشّخيرِ على فراشِهمْ الخيشْ.

-*-*-

القطارُ لا ينبئُ العرباتِ بحلمِ الوصولِ

حتّى تظلَّ خاضعةً لسلطتهِ الحديديّةِ

لا القطارَ يصلحُ أن يكون نبيًّا

دون رسالةِ موتٍ تدهسُ العالقينَ شتاتَ الأرضِ

الذين تركتْهمْ أمّهاتُهمْ

صورةً في خيالِ التّعاسةِ الخصب

العالقين بمقتضى محنتِهمْ

أن يصلوا هناكَ إلى امرأةٍ

-هي نفسُ المرأةِ التي-

يبيتُ بين فخذيْها القطارُ.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*