الصّوتُ و الصّدى : علي كرامتي – الياسمينة – قرطاج – تونس

علي كرامتي

تسوّغتَ سيّارةً ..

لتريحَ من الـمشيِ رجليْكَ قبلَ الـمسيرِ 

تسوّغتَ أغنيةً من سواكِ 

لتُخرسَ نفسَكَ قبل الغناءِ 

تسوّغت كفّا و عينا و ثوبا 

تسوّغتَ نارًا و نبعًا و قلبًا 

تسوّغتَ حتّى اللّغَهْ 

تسوّغتَ عقلاً يفكّرُ عنكَ 

فماذا تبـّـقى و لم تتسوّغْـهُ .؟ 

لا شيءَ إلاّ الحياةُ 

و تحيا و تبتاعُ خزيًا و عارًا 

و تبتاعُ دينًا و ربًّا 

فعِمْ ذلّةً و اصطبحْ بالـممـاتِ 

فكلُّ الّذي تشتهيه و لا تشتهيه لديكَ 

فغنِّ لهم أيّها البهلوانُ و صفّقْ

فقد قدّروا – يا شقيُّ – عليكَ 

بأن تستحيلَ الـمهرّجْ 

و أن تصبحَ القردَ تلهو على سِرْكِـهِمْ و هُمُ الـمتفرّجْ 

فأين تروحُ و أنتَ الـمقيّدُ من ساعديْكَ 

و أنتَ الـمكبّلُ من قدميْكَ 

بحزمةِ مالٍ و ألفٍ من الأعينِ النّاظراتِ إليكَ 

لقد عقلوكَ لأنـَّهُـــمُ عقلوكَ 

* * * 

تـمرُّ بك الشّمسُ في كلِّ يومِ و لستَ تراها 

و تهفو إليها و تصبو و لستَ تراها 

و لو من وراءِ الجدارِ 

و يأتي عليكَ الشّتاءُ و تبقى كأرملةٍ 

تنوحُ على بعلِها الـمتوفَّى 

على حافّةِ الصّيفِ منذُ سنينَ 

* * *

تهيّأْ لأمسِكَ فهو سيأتي غدًا 

فعمرُكَ يـجـتـــرُّ أيّامهُ 

وآتيك أمسِ مكرّرٌ 

سماؤكَ مثقلةٌ بقديمِ التّعاليمِ منذُ ثمودَ و عادٍ 

وغرفةُ نومكَ متعبةٌ من شظايا النّهودِ 

وخانقةٌ بدخانِ التّغرّبِ و الانـبتاتِ

و ساعتُكَ الحائطيّةُ قد شُلَّ فيها الزّمانُ 

تطلُّ على سورِ بيتِكَ .. 

نافورةٌ تغزلُ الـمـاءَ خيطًا فـخيطًا 

تلوكُ الخريرَ 

و تحترفُ الدّمعَ منذُ ألوفِ السّنينَ 

و في جبّةِ الصّيفِ .. 

تغرقُ صفصافةٌ في خضمِّ السّباتِ 

و تصحو على وقعِ خطوِ الخريفِ 

فتذرفُ أوراقَها الـمتعباتِ 

فتصفعُها الرّيحُ حينًا  

و حينًا تلثّمُ وجهَ السّماءِ ببرقعِ غيمٍ 

و أنتَ و راءَ الجدارِ 

إلى الشّمسِ تـهفو 

و ما لكَ من عمرِكَ الـمُرِّ إلاّ الأماني 

فحتّى متى يشربونَ دموعَ السّحابِ 

و لا يتبقّى لنا غيرُ دمعِ العيونِ 

و سربُ السّرابِ 

* * * 

أحاولُ أن أستعيدَ نظامَ خطايَ 

و قد تاه منّي الطّريقُ 

و أمشي و خلفيَ ظلّي 

أحاولً ألاّ أكرّرَ نفسي 

و ألاّ أكونَ سوى « أنا » .. 

في زمنٍ تتشابهُ فيه الوجوهُ 

كما يتشابهُ سربُ طيورٍ 

يحطُّ على سلكِ أعمدةِ الكهرباءِ 

أقودُ انقلابًا عليَّ 

يحرّرُني من سوايَ 

و يزرعُني في منابتِ ذاتي 

كما تُزرعُ الرّوحُ في تربةِ البدنِ 

* * *

لقد أسِنَّ الوقتُ بينَ يديكَ 

فأَفرغْ جِرَارَ زمانِكَ من محتواها 

و ألقِ إلى النّارِ ساعتَكَ اليدويّهْ 

و أتلفْ مُدامَ الزّمانِ 

فقد صدئَ الـمـاءُ حتّى تلفّعَ بالاسودادِ

و صارتْ خوابي الـمياهِ جليدًا 

و صارتْ جميعُ الثّواني حجرْ 

فأينَ تفرُّ و دربُكَ ثلجٌ و صخرٌ 

و عمرُكَ صُلْبٌ و في القلبِ قيْدٌ 

ألا تستحي من فراركَ منّي إليهمْ !؟

و كيف تُشِيحُ بقلبِكَ عنّي كَـمُنْبَهِرٍ بالضّياءِ 

و تغمضُ جفنَ الهوى بيننا 

كَمَنْ دُسَّ في ناظريهِ رصاصٌ من مطرٍ  لا يكفُّ 

أ تهربُ منّي و أنتَ أنا.. 

و تلوذُ بهم أيّها الـمستجيرُ بغيرِكَ منكَ .

يجيءُ زمانٌ وتصبحُ أنتَ سواكَ 

فماذا تقولُ لأمّكِ إن ساءلتكَ 

و طفلُكَ ماذا تقولُ لهُ .. 

عندما تتعرّى أمامَ الـمرايا 

  * * * 

تـمرُّ عليكَ السّنونَ 

و أنتَ كما أنتَ لم تـتغيّرْ 

فهذي فصولٌ تروحُ و هذي فصولٌ تعودُ 

و تبقى بلا ورقٍ و بلا ثـمراتٍ 

و يُـرْبكُكَ الوقتُ … يُلْقي عليكَ دوارَ الجهاتِ 

فأيُّ الـمُناخاتِ أرحبُ للحلمِ حتّى يـمرَّ 

و أيُّ الـمـسافاتِ أقصرُ كي يصلَ الحلمُ سمتَ الـمدينهْ 

أ تعلو على صهوةِ الشّرقِ أم صهوةُ الغربِ أعلى

… دوارُ الجهاتِ يُصيبُكَ بالغثيانِ… 

و لكنْ عليكَ اختيارُ الطّريقِ قُبيْلَ هبوطِ الـمساءِ 

فأيُّ الـمدائنِ تختارُ شرقيَّها أم جنوبيَّها !؟ 

و أيُّ العواصمِ تغريكَ أكثرَ غربيُّها أم شماليُّها !؟

* * * 

تسيرُ و يغدو الرّحيلُ لخطوكَ ظلاًّ 

فتوهمُ خطوكَ أن تستريحَ 

على صهوةِ الدّربِ حينَ تسيرُ 

و سوفَ تظلُّ تسيرُ 

و يشطرُكَ السّيرُ ما بينَ مفترقاتِ الحضارهْ 

و ما من ختامٍ لهذا الـمسيرِ 

و ما من شعاعٍ لضوءِ الـمناره

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*