مُعلَّقةٌ في خيْطٍ : شعر : مونيكا دال ريو – شاعرة بولنديّة مقيمة ببروكسال – بلجيكا : تعليق : محمّد صالح بن عمر

مونيكا دال ريو

مُعلَّقةٌ في خيْطٍ
كعنكبوتٍ صغيرةٍ 
أظلُّ خفيّةً على الأبصارِ
وأنا مُعلَّقةٌ في خيْطٍ
بين السَّحابِ والأرضِ 
كعنكبوتٍ صغيرةٍ 
تنتظرُ قطارَها
نحو السّماءِ
أو الجحيمِ 
وَفْقَ اتّجاهِ الرّيحِ 
الذي ستختارُهُ الأقدارُ
ومع ذلك لم أزَلْ
أصارِعُ
التّيّاراتِ الجارفة 
والأجواءَ المُكْفهرّة
والخطَرَ الدّائمَ المُحْدِقَ 
وقد ترتخي مفاصلي
أحيانًا
فيأخذني النُّعاسُ 
وأستسلِمُ 
لهدهدةِ غناءِ عذبٍ
ساحرٍ
آسِرٍ 
يحملني
على زربيّةٍ طائرة 
إلى بقاعٍ بعيدةٍ
فيها 
تَسُودُ المحبّةُ بين النّاسِ 
ولا يمنعُ الحُلْمُ
ولا تُسْمَعُ قهقهةٌ
لضِباعٍ ساخرةٍ
لأنّها حينذاكَ
ستذرفُ
دموعَها الحَرَّى
على جثّتي

تعليق : محمّد صالح بن عمر:

لا يعرف القرّاء الذين تابعوا بانتظام تعاليقي على الشّعر في هذا الفضاء منذ أن أحدثته سنة 2009 الشّاعرة  البولونيّة مونيكا دال ريو إلاّ من خلال قصائدها العشقيّة .لذلك قد يكون من المفيد أن يعلموا أن هذه المؤلّفة التي تعرّفت إليها في  نهاية التّسعينات و ترجمت لها ثلاثة كتب إلى اللّغة العربيّة صدرت جميعها بتونس لم تطرق موضوع الحبّ إلاّ حين انتقلت سنة إلى الإقامة بأثيوبيا. فكتبت ثمّة أكثر من ثلاثمائة قصيدة غراميّة.فهل يتعلّق الأمر عندئذ  بعمليّة تدارك  أحسّت بالحاجة إلى القيام بها عندما استقرّت بهذا البلد ؟

ومهما يكن من أمر فإنّ هذه القصيدة هي بمنزلة عودة إلى الأصل، إذ تعالج القضيّة  نفسها التي دارت حولها كتب المؤلّفة  الأربعة الأولى (روايتان ومجموعتان قصصيّتان) .وهي الجانب المبهم، الملغز، المرعب في الحلم وعلى وجه التّحديد في الكابوس.وهل ثمّة كابوس أفظع من أن يجد الإنسان نفسه معلّقا في الفضاء  بين السّماء والأرض ؟ أجل !هذه الصّورة المركزيّة التي بنيت عليها القصيدة لا دلالة فيها البتّة على سموّ روحيّ  بل هي تبعث على الهلع وتقشعرّ منها الأبدان ، لأنّ وجود المتكلّمة في ذلك الوضع الخطر، حسب ما جاء في النّصّ ، هو من باب الجبر والإكراه  لا المغامرة والاختيار ،فضلا عن  وقوعها كلّيّا هناك تحت رحمة العناصر الطّبيعيّة بأنواعها، كما  أنْ ليس لهذه الصّورة أيضا دلالة تعويضيّة،وإن أوهمت بذلك في المقطع الأخير  لأنّ الهروب من الواقع يوفرّ للهارب رغم كلّ شيء شعورا بالرّاحة  النّفسيّة والتّخفّف من عبء ثقيل . لكنّ الأمر لا ينطبق بتاتا على هذه الحالة .وهو ما يجعلنا نفترض  أنّ الدّلالة  الأقرب هي عودة المتكلّمة على نحو لا واعٍ إلى فترة وجودها في رحم الأمّ  أثناء ولادة عسيرة .فخلّف ذلك في ذاكرتها حالة مرعبة .وهو ما قد يدعمه إسقاطها  صورة جسدها على مستقبل حالك هو مرحلة ما بعد الموت  رفقة حيوانات من أكلة الجيف وهي الضّباع .وهكذا  ربّما ترسم هذه القصيدة صورة ذاتيّة لكيانٍ لا مجرّد حالة نفسيّة عابرة .

أمّا الأسلوب فهو يحمل بكلّ وضوح أثر مهجة سرديّة بجكم مجيء صاحبة النّصّ جاءت إلى الشعر بعد مراس طويل لفنّي القصّة والرّواية .

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*