رحلتي إلى ألمانيا(10):في متحف الموسيقار العظيم بيتهوفن بمدينة بون : محمّد صالح بن عمر

 

خلافا للشّاعر قوته الذي لم يجد في طريقه إلاّ منافسا واحدا – وهو شيلّر Sciller (1759 -1805) الذي لم يعش سوى خمسة وأربعين عاما – ولم يسبقه أيّ شاعر كبير في بلاده ،كان  على بيتهوفن (1770- 1827) ،لفرض نفسه في الميدان الموسيقيّ،  أن يُنْسِيَ المتمرّسين بهذا الفنّ وعشّاقه العملاق موزار (1756 -1791)، لا سيّما أنّه دخل معقله مدينة فيينا التي كانت وقتذاك عاصمة الموسيقى في العالم بأسره، ثلاث سنوات فقط قبل وفاة هذا المبدع ذي الانتشار العالميّ.

وخلافا لقوته أيضا كان على بيتهوفن أن يواجه عراقيل جمّة نصب بعضها في طريقه البشرُ وبعضها القدرُ .وصورة ذلك أنّ القدرات الإبداعيّة الخارقة التي يتمتّع بها وروحه التّجديديّة العالية لم تكن لتسمح له بتقليد سلفه الذي كان مثالا للكلاسيكيّة بل دفعته إلى العدول عن لونه  بعض الشّيء بالانفتاح على حساسية كانت  في ذلك الوقت جديدة وهي الحساسية الرّومنسيّة التي لم يكن الجمهور متعوّدا عليها. وهو ما أدّى في في البداية وبعض الأحيان إلى حصول عدم انسجام معه.

ومن جهة أخرى كان بيتهوفن – وهو ينشط في وسط أرستقراطيّ معاد لفكرة الثّورة –  يقلق راحة المحيطين به، بمواقفه المساندة للثّورة الفرنسيّة لسنة 1789 .وهو ما تسبّب في خلق خصوم له.

ولم يكن القدر برحيم معه أيضا . فقد أصيب – وهو في سنّ السّابعة والعشرين –  بالصمم ،أي فقد الحسّ الذي يحتاجه أكثر من غيره لمواصلة مسيرته الموسيقيّة .وقد تولّدت  هذه الإعاقة عن إصابته بمرض نادر هو مرض باجي Paget الماثل في النّمو غير الطّبيعيّ لعظام الجمجمة في فترة  الكهولة ومن آثاره إتلاف الأعصاب السّمعيّة .

ولكن تبيّن في ما بعد أنّ هذه العراقيل لم تكن كافية  لإيقاف مسيرة هذا المبدع الاستثنائيّة وصعوده الباهر ، إذ تمكّن في النّهاية  من الارتقاء إلى مصفّ الفنّانين العالميّين،  بفضل طاقته الجبّارة على العمل والنّشاط المكثّف لملكاته الفذّة .ولتتيقّنوا من ذلك فما عليكم إلاّ أن تلقوا نظرة على قائمة الأعمال الموسيقيّة التي تركها للإنسانيّة والتي تتألّف من قرابة المائة والخمسين قطعة موسيقيّة بين سمفونيات وقطع افتتاح ونغمات وسوناتات وغيرها…

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*