أقوالٌ جديدةٌ لمحمّد صالح بن عمر

 

لا خروجَ إلى المعاشِِ للمبدعينَ

 

الخروجُ إلى المعاشِ إجراءٌ إداريٌّ يُطبَّق على الأعوانِ العاملينَ في المؤسّساتِ الحكوميّةِ والخاصّةِ كالموظّفينَ والعمّالِ والمدرّسينَ والقضاة وغيرهم .لكنّه لا يُطبَّقُ على الفنّانينَ والكتّابِ والشّعراءِ لأنّ هؤلاءِ ينتمونَ إلى مؤسّسةِ الحياةِ .

 

الرّومنسيّةُ لن تنقرضَ أبدًا

 

على الرّغمِ من  المآسي التي تتلاحقُ  في هذا العالمِ فإنَّ الرّومنسيّةَ لن تنقرضَ أبدًا.

 

المبدعُ هذا “الكهلُ الطّفلُ”

 

على عكسِ العالِمِ أو الفيلسوفِ أو المُصْلحِ أو المدرّسِ الذي هو مبدئيًّا “ذاتٌ ناضجةٌ” والذي ينبغي أن يكونَ خطابُهُ في المقامِ الأوّلِ حِجاجيًّا ليمتلكَ القدرةَ على إقناعِ مخاطبيهِ، فإنّ المبدعَ الفنّيَّ أو الأدبيَّ يوظّفُ فطريًّا، فضلاً عن المفكِّرةِ التي يستقرُّ فيها المنطقُ والعقلُ ، ملكاتِهِ الذّاتيّةَ كالحساسيةِ والخيالِ والذّوقِ والحدسِ واللاّوعيِ ليكونَ له بعضُ الحظِّ في الأخذِ بلبِّ المتلقِّي وإدهاشِهِ.ومن هنا كانتْ تسميتُهُ الشّائعةُ ب”الكهلِ الطّفلِ”.

 

الخلطُ في النّقدِ الأدبيِّ بين الفنِّ والأخلاقِ

 

من أفدحِ الأخطاءِ التي تُرتكب أحيانا في النّقدِ الأدبيِّ الخلطُ بين الفنِّ والأخلاقِ.فبشّار بن برد مثلا كان ضليعًا في اللّغة إذ استشهدَ بشعرِهِ النّحويُّ الكبيرُ سيبويهِ على الرّغمِ من تشدّدهِ .أمّا جماليّةُ شعر بشّارٍ  فقد حظيتْ بإجماعِ النّقادِ  القدامى منهم والمعاصرونَ .وقد صدر عنه عددٌ لا يكادُ يُحصى من الدّراساتِ. وهذا  على الرّغمِ من أنّه كان زنديقًا من الطّرازِ الأوّلَ.فقد روى المؤرّخونَ في شأنِ ظروفِ موتِهِ أنّ الخليفةَ العبّاسيَّ المهدي دخلَ ذاتَ يومٍ مدينةَ البصرةِ فسمعَ الأذانَ في غير وقتِهِ فسألَ : ما هذا الأذانُ ؟ فقالوا له : هذا بشّارُ بنُ بردٍ حين يسكرُ يؤذِّنُ. فأمرَ بإنزالِهِ من الصّومعةِ وضَرْبِه بالسّياطِ .فجُلدَ حتّى مات.

في القرنِ العشرينَ شرحَ المفسّرُ التّونسيُّ الكبيرُ شيخُ جامعِ الزّيتونةِ محمّد الطّاهر ابن عاشور ديوانَ بشّارٍ وطبعَهُ. فسئل عن السّرِّ في اهتمامِهِ به وهو زنديقٌ فقالَ : إنّه شاعرٌ عظيمٌ.

 

خصلةُ الكاتبِ أو الشّاعرِ الأولى هي التّواضعُ

 

خصلةُ الكاتبِ أو الشّاعرِ الأولى هي التّواضعُ.فقد علّمنا التّاريخُ أنّ الادّعاءَ وانتفاخَ الذّاتِ  لم يرفعَا قطّ وحدهما أيًّا كانَ أو أيًّا كانتْ إلى درجةِ العبقريّةِ.بل بالعكسِ. ففي ميدانٍ دقيقٍ كميدانِ الإبداعِ لا تنجحُ إلاّ أقليّةٌ صغيرةٌ في تحدّي الزّمنِ والبقاءِ على قيدِ الحياةِ بعد الموتِ .فمن الأدبِ التّونسيِّ قبل الاستقلالِ  مثلا لم يبقَ إلاّ الشّابي ( أُلِّف عنه 55 كتابًا وأكثرُ من 700 دراسةٍ )ومحمود المسعدي (صدرُ عنه  30 كتابًا ) والدّوعاجي ( 120 دراسة ) ومنوّر صمادح (أعِدَّتْ عنه أطروحةُ دكتورا بجامعة السّربون بباريس ونَظَّم عنه المجمع   التّونسيّ ندوتين صدرتا في كتابين والبشير خريّف (أُعدَّتْ عنه أطروحةُ دكتوراه وصدرَ عنه كتابٌ جماعيٌّ ).أمّا الآخرونَ – وقد كان عددُهم مرتفعًا جدّا – فقد عاشوا وكتبوا ونشروا ثمّ  ماتوا ونُسُوا لأنّهم بكلِّ بساطةٍ كانوا عاديّينَ.ولتكونوا على يقينٍ  من  أنّ الحاضرَ والمستقبلَ  لن يختلفا في شيءٍ  عن هذا الماضي .

لهذا السّببِ من مصلحةِ كلِّ هاوٍ للكتابةِ أن يمارسَ هوايتَهُ لأجلِ إرضاءِ نفسِهِ وأن يبقى واقعيًّا ويتركَ الزّمنَ يفعلُ فعلَهُ.

 

من أفدحِ العيوبِ التي يمكنُ أن تشوبَ الأثرَ الفنّيَّ أو الأدبيَّ

 

من أفدحِ العيوبِ التي يمكنُ أن تشوبَ الأثرَ الفنّيَّ أو الأدبيَّ النّبرةُ الوعظيّةُ والنّبرةُ التّعليميّةُ لأنّ الفنّانَ أو الكاتبَ أو الشّاعرَ الحقيقيَّ ليس عالِما ولا مرشدًا ولا معلٍّما  وإنّما هو ذاتٌ تعيشُ  في دوّامةٍ من الأسئلةِ ولا تعرفُ عن نفسها وعن الآخرِ و العالمِ أكثرَ ممّا يعرفُهُ المتلقّونَ .

 

هل توجدُ سلطةٌ نقديّةٌ ؟

 

كانتِ السّلطةُ النّقديّةُ في البدايةِ وهمًا.ذلك أنّ النّاقدَ الفرنسيَّ الكبيرَ سانت بوف ( 1804 – 1869 ) كان يعتقدُ بكلِّ صدقٍ أنّ النّصَّ الأدبيَّ ينطوي على حقيقةٍ . وهي ما قصدَهُ مؤلّفُهُ بالضّبطِ وما لا يقدرُ على الكشفِ عنه إلاّ النّاقدُ.لكن بعد أن ثبتَ أنّ النّصَّ متعدّدٌ وبلغة أدقَّ ” مجرّةٌ من الدّلالاتِ” كما قال رولان بارت (1915 -1980 ) صارت عبارةُ ” السّلطةِ النّقديّة” كذبةً لا يُرمى من ورائها إلاّ إلى بثِّ الرّعبِ في نفوسِ المبدعينِ والهيمنةِ عليهم خاصة إذا عُزِّزت بلقب “الدّكتور” .

 

الشّعراءُ الذين يعتقدونَ اليومَ أنّهم  يكتبونَ لتوعيةِ الجماهيرِ و شِفاء المجتمعِ من أدوائِهِ

 

الشّعراءُ الذين يعتقدونَ اليومَ أنّهم  يكتبونَ لتوعيةِ الجماهيرِ و شِفاء المجتمعِ من أدوائِهِ لواهمونَ.ذلكَ أنْ لا أحدَ غيرَ الشّعراءِ والعارفينَ بالفنِّ الشّعريِّ يُعنَى بما يكتبونَ  .وعددُ هؤلاءِ محدودٌ بطبيعتِهِ.ولا سبيلَ إلى نيلِ إعجابِهمْ إلاّ  بتجويدِ نصوصِهمْ إلى أقصى حدٍّ ممكنٍ.أمّا الجمهورُ الواسعُ فلم يبقَ قادرًا على جلبِهِ إلاّ الخطيبُ السّياسيُّ أو الدّينيُّ أو نجمُ الطّربِ أو الممثّلُ البارعُ في الإضحاكِ.

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*