خواطرُ سجينٍ سياسيٍّ: شعر : علي كرامتي – قرطاج الياسمينة – تونس

علي كرامتي

 

تعاليْ ونامي جواري

فبيني وبينكِ فسحةُ عشرينَ عامًا

من الشّوقِ والقهرِ والانكسارِ

تعالي أعانقْكِ حينًا 

فقد طالما عانقتْني البرودةُ في ظلماتِ السّجونِ

وكم ضمّني القيدُ واستعبدتْني الـمنافي

و كم عضّني الصّمتُ في قاعِ زنزانتي ..

و تحجّرَ في ناظري الدّمعُ ..

حينَ استبدَّ بي الانهيارُ

 

هناكَ على بعدِ طرفةِ عينٍ من الموتِ..

ذقتُ العذابَ مرارًا 

ولكنّ سجّانَنا ليس يرضى بـموتي

ولا يستسيغُ سراحي

وظلَّ كما كانَ دومًا 

بساديّةِ الـمستبدِّ

يعزُّ عليه انعتاقي 

وما كانَ يرضى سوى باحتراقي

على مذبحِ الظّلمِ أضحيةً ترفضُ الذّلَّ ..

تطلبُ حرّيّةً للجميعِ و أمنًا 

 

قابَ عشرينَ عامًا من البعدِ ..

عن مشهدِ الشّمسِ والبحرِ والاخضرارِ

تـموتُ بقلبي أنصابُ خوفي القديمِ

و تنـمو براعمُ حرّيّةٍ لن تـموتَ 

و إن عذّبوني و إن أحرقوني

فهم لا يعونَ بأنّيَ كالبحرِ لـمَّـا تزده العواصفُ إلاّ عتوًّا

وأنّيَ كالنّارِ ما زادَها النّفخُ إلا اضطرامًا

 

 

قابَ عشرينَ عامًا من البعدِ ..

عن مشهدِ الشّمسِ والبحرِ والاخضرارِ

تَغيَّرَ في القلبِ معنى الوجودِ 

تعرّتْ أمامي جميعُ الحقائقِ 

وأدركتُ فلسفةَ الصّولجانِ:

” فلا ينطقُ السّوطُ إلاّ إذا كُتِمَ الصّوتُ.”

لكنّ أصواتَنا من زئيرِ السّياطِ أشدُّ

ومن جدرانِ الزّنازين أعلى وأعلى 

وكنّا نردّدُ هذا النّشيدَا

وسوفَ نظلُّ نردّدُ هذا النّشيدَا :

أردنــَا فــــــكانَ لنا ما أردْنَا    ***** ورُمْـــــــنَا الحياةَ فــنِلْنَا الخلـودَا

وإنّـا لنرضى الحــــــياةَ بعـزٍّ ***** ولا نرتضي أن نعــــــيشَ عبيدَا

ونطلبُ حـــــرّيةً وأمـــــــانًا ***** ونبذلُ أرواحـَـــــنا كي نســـودَا

سَـــنُولِمُ من دمـــِــنا للمنافي***** ونجعـــــلُهُ للــــــنّضــــــالِ وَقودَا

ونــطعمُ أجسامَنا للرّصاصِ    ***** ولن نتركَ الظّلـــمَ حـــــتّى يعودَا

ومن عاشَ منّا سيحيَا كريمًا***** ومن ماتَ سوفَ يموتُ شهيدَا

فمن يرضَ بالظّلم يحيَ ذليلا        ومن يحيَ حرّا سيحيَ ســــعيدا

فقولي معي أنت هذا النّشيدَا 

و أنت تنامينَ قربي 

أيا طفلةً ضاعَ منّي محيّاكِ قبلَ ضياعِ القماطِ

و ها أنتِ أصبحتِ أمًّا لقلبيَ.. 

من بعدِ عشرينَ عامًا من البعدِ و الافتراقِ 

وذرفِ الدّموعِ وطولِ الـمحنْ 

لكِ الآنَ أن تفخري بأبيكِ 

فإنْ سألوكِ:” لـمـاذا أبوكِ سُجِنْ؟”

فقولي لهم:” جرمُهُ عِشْقُ هذا الوطنْ.”

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*