سِـرْدَابُ المَـوْصِـلِ : شعر : عبد الله سرمد الجميل – العراق

2015-635836355778060331-806_main

عبد الله سرمد الجميل

288

 

لساعةِ صِفْرٍ يستفيقُ جنودُها                 

و ( يونُسُ ) من بطنِ المنارِ يقودُها

و ( يونُسُ ) في الحوتِ القديمِ كقومِهِ

بوحشةِ سِرْدابٍ تَزيدُ قيودُها         

وأعرِفُ أُمّاً من سنينٍ ثلاثةٍ

تعيشُ بسِرْدابٍ وماتَ وليدُها

بطلقةِ قنّاصٍ ذميمٍ وأجربٍ

فيا حزنَها، قد كانَ يلهو وحيدُها

سراديبُ لم تُمْسَسْ بضوءِ نهارِنا

سوى ( ليزرِ ) الصّاروخِ ليلاً يصيدُها

سراديبُ لم يقصِدْ مهندسُها هنا

بِأَنْ للحروبِ الطّاحناتِ يَشيدُها

سراديبُ كانَتْ للخُلُوِّ بنفسِنا

لقيلولةٍ في العصرِ الكئيبِ نُريدُها

سراديبُ كانَتْ للمؤونةِ إنْ أتَتْ

سنينُ حصارٍ كالجَرَادِ وعيدُها

على الرّفِّ كيسٌ للطّحينِ وخلفَهُ

بنادقُ من عظمِ الرّجالِ حديدُها

على الّرفِّ أنيابٌ مُذَهَّبَةٌ، بها

نلوكُ حصى الأيّامِ ثمّ نَزيدُها

مرارةَ من يدري ويُسكِتُهُ فمٌ

وحَيرةَ مَنْ لا هُدْهُدٌ فيعودُها

على الرّفِّ ( ألبومٌ ) بصورةِ مُوْمِسٍ

وأَشْرَفُ من نَسْلِ الوزيرِ عبيدُها

وأَسْخَنُ من جمرِ الشّفاهِ جليدُها

وأَنْعَمُ من قُطْنِ الغيومِ نهودُها

على الرّفِّ شمسٌ في الشروقِ مَغيبُها

لأنَّ كثيفَ الطّيرِ راحَ يسودُها

بمَوسِمِ هِجْراتٍ تَجُرُّ سماءَنا

بمنقارِها حتّى تجِفَّ رعودُها

بمَوسمِ هِجراتٍ إلى النّبعِ تنتهي

ففي رَحِمِ الأُفْقِ البليلِ خلودُها

على الرّفِّ قُمْصانٌ وأرفُضُ غسلَها

ففيها عناقٌ، لن يزولَ تليدُها

على الرّفِّ صابونٌ ونبتةُ ليفةٍ

وحَمَّامُ سوقٍ ماضياتٌ عهودُها

على الرّفِّ ريفٌ لو شممْتَ هشيمَهُ

لرُدَّتْ إلى تلكَ الرّئاتِ ورودُها

على الرّفِّ بصْماتُ الغريبِ وخوفُهُ

ومسروقةٌ أقراطُها وعقودُها

فتدعو دعاءً ثمّ تُغمضُ عينَها

وفي ثالثِ الأيّامِ لصٌّ يُعيدُها ! 

سراديبُ في قلبي بِمِعْوَلِ هُدْبِها

ومفتاحُها الذّكرى وصعبٌ صعودُها

تقدَّمْ، يقولُ الأصدقاءُ وقلبُها

تمهَّلْ، يقولُ الخوفُ ثُمَّ جُدودُها

تكلَّمْ وأرِّخْ ذلكَ اليومَ إنّهُ

ولادتُكَ الأخرى وأنتَ شهيدُها

تحدَّثْ إليها في ممرٍّ مُملَّحٍ

بحَنجرةِ البحرِ الخؤونِ سدودُها

تحدَّثْ إليها لا كجسرٍ وموجةٍ

ترُشُّ عليهِ الموتَ وَهْوَ بليدُها

تحدَّثْ إليها عن مسيرِكَ نائماً

على خيطِ سيركٍ أشعلَتْهُ وَقودُها

تحدَّثْ إليها لا تَخَفْ من عُبُوَّةٍ

على بُعْدِ مِتْرٍ أبطلَتْها صعيدُها

أتعلَمُ معنى أن تُقدِّمَ وردةً

يكونُ على خدِّ الحبيبِ سجودُها

أتعلَمُ معنى أن تعيشَ بغرفةٍ

وصورتُها في كلِّ رُكْنٍ حدودُها

أتعلَمُ معنى أن تُسرِّحَ شَعْرَها

بإِصْبَعِ ليمونٍ فتُمطرُ بِيْدُها

أتعلَمُ معنى أن تُقبِّلَ عُنْقَها

على مَهَلٍ حتّى يَبينَ وريدُها

أتعلَمُ معنى أن تُقشِّرَ إِبْطَها

كما قشَّرَتْ ريمَ الفَلاةِ أُسُودُها

أتعلَمُ معنى أن تُطوِّقَ خَصْرَها

كنَسْرٍ وبركانٍ، قليلٌ صمودُها

أتعلَمُ معنى أن تُزيلَ شظيّةً

وكانَ سواءً رفعُها وركودُها

أتعلَمُ معنى أن يقولَ طبيبُها:

بصدرِكِ أورامٌ وكلٌّ حميدُها

أتعلَمُ معنى أن تكونَ مُحرَّراً

بدبّابةٍ بالخيرِ جاءَ بريدُها

زغاريدُ للجيشِ الحبيبِ ومرحباً

وراجعةٌ تلكَ السّنونَ و عيدُها

فيا غلطةَ الطّيّارِ كيفَ رأيتَنا ؟

أكلُّ قريبٍ من عيوني بعيدُها ؟

تمنّيْتُ لو أنّ الدّيارَ كأهلِها

فتنزَحَ مشياً صوبَ أرضٍ تذودُها

أيا زئبقاً يعلو ويهبِطُ في دمي

ويا فحمةً بيضاءَ منّي جُلودُها

ويا ناسياً خيلي بجيبِكَ، إنّها

يَعَضُّ الهواءَ المَعْدِنِيَّ صدودُها

أُسابِقُ إسعافاً تُسابِقُ حَتْفَها

وتَسبِقُنا أرضٌ لُحُودٌ مُهودُها

لماذا الهدوءُ، الخوفُ سمَّرَ معطفي

بشَّماعةٍ غازُ الصراخِ عَمودُها ؟

لماذا العَماراتُ البَوَارُ بمَخْرَجٍ

تَقَيَّءَ أحشاءً ونَهْبٌ جديدُها ؟

أرى يديَ اليُسرى تُنقِّبُ في دمي

بلمسةِ أصداءٍ وكُسِّرَ عُوْدُها

أرى يديَ اليُمنى تُحاجِجُ باتراً

وما سرقَتْ نومَ السّيوفِ غُمودُها

فلولا اصطباري في المصائبِ جُلِّها

لَمِتُّ كثيراً غيرَ أنّي عنيدُها

وجامعةٍ إن ماتَ منها هياكلٌ

فما ماتَتِ الذّكرى وغِيْظَ حَسُودُها

لئن هدمُوا كلّيّةَ الطِّبِّ فاعلمُوا

لفي القلبِ مبناها وإنّي عميدُها

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*