يومٌ مختلفٌ: قصّة : حسن حجازي – الدّار البيضاء – المغرب

20160126_101238

حسن حجازي

fourmis_rouges_-_photo_-_kismihok

1-

صعب للغاية أن يحكم الضّجر قبضته على الجسد  فيسحبه عميقا إلى قاع جُبّ لم يعد فيه ما يبعث على الحياة بعد أن نضب ماؤه وهجرته القوارض والزّواحف فسكنته بدلها رائحة الموت. .
كم هو مرٌّ ذلك الإحساس الموغل في فصول الفقد دون أدنى سبب،غالباً ما يداهمني هذا الإحساس حتّى من غير أدنى وعي منّي بمسبّباته ودواعيه لاسيّما إذا كان مسبوقا بشعور مغاير تماماً تكون فيه الفرحة غامرة وجارفة.

غالباً ما أعيش هذه المفارقة العجيبة وأنا أنتقل من مزاج نفسيّ رائق إلى آخر مبهم ،عصيّ على التّحديد والتّفسير، فأحتار أيّ السّبل أسلك حتّى أخفف من وطأة هذا الإحساس الباعث على السّأم. .
  2-                   
لم يكن عليّ هيّنا أن أقبع في البيت وقتا آخر أمام حالة الخواء التي استبدّت بي وعاشتها معي حتّى كلّ التفاصيل والأشياء،هاهو ذا مقدّم نشرات الأخبار نفسه يطالعني بوجهه المتجهّم على الدّوام وهو على أهبة لقصفي بأنباء قد تزيد من حدة توتّري، عندئذ ما كان منّي إلاّ أن ضغطت بعصبيّة على زر الرّيموت كونترول كي أتفادى السّماع.حتّى الأباجورة استفزتني على نحو لم أعهده من قبل ،إذ عبت عليها شكلها الذي بدا لي بشعا للغاية،لم يكن وجهي أحسن حالا وأنا أقف أمام المرآة محاولا تصفيف شعري،لم أستأنس البتّة بوجهي  لابسبب بعض الزّغب الذي نبت في غفلة منّي لكن على الأرجح بسبب تلك الهالات السّوداء الواقعة تحت العينين وربّما كذلك بسبب تلك الشّعيرات التي بدأت تغطّي شحمة الأذنين على نحو واضح. .
  3-                  
كان الشّارع فارغاً إلاّ من كلبين كانا يتهارشان غير بعيد عن حاوية أزبال،  خمنت أنّهما كانا يتنازعان على قطعة لحم أو شحم أو حتّى علىعظم،لقد أصبحت رؤية هذه الكلاب في الشّوارع شيئاً عاديّا لا يبعث على الاستغراب بعد أن بحّت حناجر السّكان  المنادين بإبعادها لما تشكّله من خطر على الأطفال خصوصاً،لكنّ صمت السّلط المعنيّة وتقاعسها في أداء الواجب المنوط بها جعل أعداد تلك الكلاب الضّالّة في تزايد مستمرّ.

 
  4-                   
غير بعيد عن الشّارع، عند واجهته الخلفيّة تحديداً، الفارغة تماماً إلاّ من بعض المنازل القليلة التي هي في طور البناء،جلست فوق حجر مولّيا ظهري للحائط محاولا أن أهدم جدار ذلك الإحساس الغريب الذي جعلني أخرج في وقت مبكّر دون أن أحدّد لي وجهة معيّنة لأجدني في آخر المطاف في هذا المكان المقفر المفتقر  إلى أيّ حافز  من شأنه يساعد على التّفكير والتّأمل الهادئين. .والمليء مقابل ذلك بأكياس الإسمنت الفارغة وقضبان الحديد التي لم تعد صالحة لأيّ شيء وقناني البيرة والماء المعدنيّ وأكوام من الأتربة.

كانت في حركة دؤوبة، تتنقل بهمّة ما بين جيئة وذهاب،تتناوب على حمل بعضٍ من  حبوب القمح وفتات الخبز والسّكّر، كان يبدو عليها الانضباط التّامّ وكأنّها رتل أو كوموندو أنيطت به مهمّة على قدر كبير من الأهمّيّة،كانت النملات دات أحجام متقاربة تقريباً،كانت متوسّطة مائلة إلى الحمرة الشّيء الذي ساعدني  على تحديد زاوية رؤية لا بأس بها وضبطها. لذلك أطلْتُ النّظر في النّمل المنشغل بتكديس مؤونته وخلافا لبني البشر لا تمارس هذه الكائنات العجيبة الاحتكار،هي على العكس تماماً ، لديها نزوع الى العمل التّطوّعيّ الجماعيّ المقيّد بشروط العمل الذي يتقاسمه كلّ النّمل من أجل بلوغ الغاية المنشودة التي هي العيش في إطار لحمة واحدة داخل بنيان مرصوص ليس سوى تلك القرية التي ينآلف فيها كلّ النّمل في إطار لغة واحدة  وشريعة ملزمة للجميع. 
كان الوقت ينصرم منّي شيئاً فشيئاً وأنا أتابع هذا “النشاط  التربويّ “الذي برع فيه النّمل على نحو باهر. حينها أحسست أنّ تلك القرية. .قرية النمل أرحب بكثير من نفسي الضّيّقة المتضايقة التي غمرها على نحو مفاجئ إحساس.  مختلف لا يشبه إطلاقا ذاك الذي استبدّ بي على حين غرّة في ساعة مبكّرة من يوم مختلف. .!
 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*