الصّوتُ و الصدى: علي كرامتي – قرطاج الياسمينة – تونس

10440744_10202055058498527_6455041167396508689_n

علي كرامتي – قرطاج الياسمينة – تونس

stock-illustration-79353487-illustration-of-cute-monkey-and-sack-full-of-gifts
تسوّغتَ سيّارة ..
لتُريحَ من الـمشيِ رجليكَ قبلَ الـمسيرِ
تسوّغتَ أغنيةً من سواكَ
لتُخرسَ نفسَكَ قبلَ الغناءِ
تسوّغتَ كفًّا و عينًا و ثوبًا
تسوّغتَ نارًا و نبعًا و قلبًا
تسوّغتَ حتّى اللّغَهْ
تسوّغتَ عقلاً يفكّرُ عنكَ
فماذا تبـّـقَى و لم تتسوّغْـهُ .؟
لا شيءَ إلاّ الحياة
و تحيا و تبتاعُ خزيًا و عارَا
و تبتاعُ دينًا و ربًّا
فعِمْ ذلّةً و اصطبحْ بالـممـات
فكلُّ الّذي تشتهيه و لا تشتهيهِ لديكَ
فغنِّ لهم أيّها البهلوانُ و صفِّقْ
فقد قدّروا – يا شقيُّ – عليكَ
بأن تستحيلَ الـمهرّجْ
و أن تصبحَ القردَ تلهو على سِرْكِـهِمْ و هُمُ الـمتفرّجْ
فأينَ تروحُ و أنتَ الـمقيَّدُ من ساعديْك
و أنت الـمكبَّلُ من قدميْكَ
بحزمةِ مالٍ و ألفٍ من الأعينِ النّاظراتِ إليكَ
لقد عقَلُوكَ لأنـَّهُـــمُ عقلُوكَ

* * *
تـمرُّ بكَ الشّمسُ في كلِّ يومٍ و لستَ تراها
و تهفو إليها و تصبو و لستَ تراها
و لو من وراءِ شقوقِ الجدارِ
و يأتي عليكَ الشّتاءُ و تبقى كأرملةٍ
تنوحُ على بعلِها الـمتوفَّى
على حافّةِ الصيفِ منذ سنينَ

* * *
تهيّأْ لأمِسكَ فهو سيأتي غدًا
فعمرُكَ يـجـتـــرُّ أيّامَهُ
و آتيكَ أمسٌ مكرّرٌ
سماؤكَ مثقلةٌ بقديمِ التّعاليمِ منذُ ثمودَ و عاد
و غرفةُ نومكِ متعبةٌ من شظايا النّهودِ
و خانقةٌ بدخانِ التّغرّبِ و الانـبتاتِ
و ساعتُكَ الحائطيّةُ قد شُلَّ فيها الزّمانُ
تطلُّ على سورِ بيتِكَ ..
نافورةٌ تغزلُ الـمـاءَ خيطًا فـخيطًا
تلوكُ الخريرَ
و تحترفُ الدّمعَ منذ ألوفِ السّنينَ
و في جبّةِ الصّيفِ ..
تغرَقُ صفصافةٌ في خضمِّ السّباتِ
و تصحو على وقعِ خطوِ الخريفِ
فتذرف أوراقها الـمتعبات
فتصفعُها الرّيحُ حينًا
و حينا تلثّمُ وجهَ السّماءِ ببرقعِ غيمٍ
و أنتَ وراءَ الجدار
إلى الشّمسِ تـهفو
و ما لكَ من عمرِكَ الـمُرِّ إلاّ الأماني
فحتّى متى يشربونَ دموعَ السّحابِ
و لا يتبقّى لنا غيرُ دمعِ العيونِ
و سربُ السّرابِ

* * *
أحاولُ أن أستعيدَ نظامَ خطاي
و قد تاه منّي الطّريقُ
و أمشي و خلفيَ ظلّي
أحاولُ ألاّ أكرّرَ نفسي
و ألاّ أكونَ سوى “أنا”
في زمن تتشابهُ فيه الوجوهُ
كما يتشابهُ سربُ طيورٍ
يحُطُّ على سلكِ أعمدةِ الكهرباءِ
أقودُ انقلابًا عليّ
يحرّرني من سوايَ
و يزرعني في منابت ذاتي
كما تُزرعُ الرّوحُ في البدنِ

* * *
لقد أسِنَ الوقتُ بين يديكَ
فأَفرِغْ جِرَارَ زمانِكَ من محتواها
و ألقِ إلى النّارِ ساعتَكَ اليدويّهْ
و أتلِفْ مُدامَ الزّمانِ
فقد صدِئَ الـمـاءُ حتّى تلفّعَ بالاسودادِ
و صارتْ خوابي الـمياهِ جليدًا
و صارتْ جميعُ الثّواني حجرْ
فأينَ تفرُّ و دربُكَ ثلجٌ و صخرْ
و عمرُكَ صُلْبٌ و في القلبِ قيْدٌ
ألا تستحي من فرارِكَ منّي إليهمْ !؟
و كيف تُشِيحُ بقلبِكَ عنّي كَـمُنْبَهِرٍ بالضياءِ
و تُغمضُ جفنَ الهوى بيننا
كَمَنْ دُسَّ في ناظريه رصاصٌ من الـمطرِ
أ تهربُ منّي و أنت أنا..
و تلوذُ بهم أيّها الـمستجيرُ بغيرِكَ منكَ
يجيءُ زمانٌ وتصبحُ أنتَ سواكَ
فماذا تقولُ لأمّكَ إن ساءلتْكَ
و طفلُكَ ماذا تقولُ له ..
عندما تتعرّى أمام الـمرايا ؟

* * *
تـمرُّ عليكَ السّنونَ
و أنتَ كما أنتَ لم تـتغيّرْ
فهذي فصولٌ تروحٌ و هذي فصولٌ تعودُ
و تبقى بلا ورقٍ و بلا ثـمراتٍ
و يُـرْبكُكَ الوقتُ … يُلْقي عليكَ دوّارَ الجهاتِ
فأيُّ الـمُناخاتِ أرحبُ للحلمِ حتّى يـمرَّ
و أيُّ الـمـسافاتِ أقصرُ كي يصلَ الحلمُ سمتَ الـمدينه
أ تعلو على صهوةِ الشّرقِ أم صهوةُ الغربِ أعلى
… دُوّارُ الجهاتِ يُصيبك بالغثيانِ…
و لكنْ عليك اختيارُ الطّريقِ قُبيْلَ هبوطِ الـمساءِ
فأيَّ الـمدائنِ تختارُ شرقيَّها أم جنوبيَّها !؟
و أيُّ العواصمِ تغريكَ أكثرَ غربيُّها أم شماليُّها !؟

* * *
تسيرُ و يغدو الرّحيلُ لخطوِكَ ظلاًّ
فتوهمُ خطوَكَ أن تستريحَ
على صهوةِ الدّربِ حينَ تسيرُ
و سوفَ تظلُّ تسيرُ
و يشطرُكَ السّيرُ ما بينَ مفترقاتِ الحضارهْ
و ما من ختامٍ لهذا الـمسيرِ
و ما من شعاعٍ لضوءِ الـمنارهْ

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*