فسحة في معرض الرسّامة زينب النّفزي بمدينة تونس العتيقة : شمس الدّين العوني

 

 

القول بالوجدان تجاه الأحوال و المشاهد و جمال مناطق من تونس

zineb_490033673

الرسّامة زينب النّفزي

تأسرنا الذّكرى و يقتلنا الحنين و ينهشنا الوجد..فنلوذ بالألوان و بالكلمات..ماذا لوحدّثتك أيّتها المعاني بشأن ما رأيت ..لكنّني الحلم يبثّ شيئا من رغباته ينثرها على البياض …في البياض..نعم ..مثلما تنثر فكرة ألوانها هناك..على الجدار ..في الجدران
..
ثمّة بهاء نائم في الأقواس و الأزقّة و الأبواب و صراخ الفتية و بياض تلتحفه المر أة في ضروب كثيرة من الدّهشة…و الحكاية هنا هي هذا الذّهاب إلى الدّواخل في شواسعها نحتا للكيان و تأصيلا له…إنّها فكرة الفنّ تقتحم عوالمنا اليوميّة بتجدّدها و انسيابها مثل نهر قديم يصنع موسيقاه التي لا نرى لها لونا غير صفاء الحال..و الأحوال..
تدخل المدينة ..تمضي إلى بئر الأحجار..تدخل المكان الجميل ..هناك نعم تجد اللّوحات و هي تسعد بك مثل فراشات من ذهب الأزمنة..و الأمكنة..
كون من دهشة الجمال العابر للمسافات ..مسافات اللّون و الحركة و الوجد و الشّجن و الأمنيات و…..الأحلام..

إنّ الأحلام هنا تصرخ، ترتجي كلماتها تجاه ” السّوق ” و” المدينة ” و ” الحفلة ” و ” الرّجوع ” و ” الحلاّق ” و العازفون ” …” منظر من مطماطة ” و ” انعكاس ” و الطّريق “…و ” استراحة “….هي أحلام بمثابة العناوين ابتكرتها الرّسامة و هي تلهج بالصّور و بالذّكرى و النّوستالجيا

ماذا فعلت تلك الطّفلة الطّافحة بالحلم
و هي تمضي مع اللّون

تلقي بالكلمات في عطور المدينة و الذّكرى..
ماذا قال القلب لسيّده تجاه خرائب الرّوح..؟

ثمّة هيام و بهاء و امرأة بألوانها تضئ كلّ الجهات..
الآن يأخذ الأزرق و الأحمر و الأصفر، كلّ غنائنا و نواحنا الخافت
إلى الجهة الأخرى
و أعني باب القلب..
بين السّوق و حفل مدينة زاخرة بالحنين..
لم يكن للشّاعر عندها غير هذا الذهول…
فكيف له إذن أن يقول حكاية ألوانها و لا تحترق الكلمات لديه.. ؟
هذه حكاية المعرض الخاصّ للرسّامة المميّزة زينب النّفزي الذي تضمّن عددا مهمّا من لوحاتها
..
الأعمال في تلويناتها قالت بالوجدان تجاه الأمكنة و المشاهد و جمال مناطق من تونس، فضلا عن التّعاطي مع الجسد الذي تراه الرّسّامة حيّزا دلاليّا مفعما بالتّأويل و القراءات..

…و الفنّ هنا تجوال حارق و باذخ بين مشاهد و تفاصيل و أمكنة..بكثير من الشّجن..و الآه..اللّوحات تنطق بتونس السّاحرة ..و الألوان تصرخ بالصّفاء النّادر..هذا ما فعلت بنا زينب و نحن نقف أمام اللّوحات بمعرض بئر الأحجار..نقف قدام الأعمال الفنية التشكيلية ..نحاولها ونحاورها ..قتلا للمألوف و المعتاد و لليوميّ الكامن فينا برتابته و للماكث فينا أيضا من عنفوان التلقّي و الفهم و التّأويل…المجد للألوان تعلن علينا الحرب الجميلة…حرب النوستالجيا الحديثة..و إذن فلا عزاء للمتقبّل غير النّظر بعين القلب ..

الرّسم لدى الفنّانة التّشكيليّة زينب النّفزي و كما تقول هي “..الفنّ فسحة وجدان و عبارة تجاه ذواتنا و العالم و الآخرين ..في لوحاتي سعيت إلى هذا التّوجه نحو الكينونة ..اللّوحة بمثابة القصيدة الفكرة و الصّورة و فسحة الخيال الكامن بداخلي..أرسم لأعبّر عن كياني و أرمّم ما تداعى بداخلي..بداخل هذا الكون المربك الذي تتقاذفه أمواج العولمة و التّداعي و السّقوط..”
تجربة الفنّانة زينب النّفزي تحرّك فينا الأسئلة و تدعونا طوعا و كرها إلى التوغّل في شواسعنا مدج”جين بالأسئلة..

خلف الباب باب يبكي بابا
لكم بكت الأبواب حين أضعنا المفاتيح
صرير الباب أغنية لأنثى الباب ردّت وردتها و أردت العاشق
على كمنجاته طافحا بالريبة
مسموما…
و أنت تتوغّل بالنّظر و التأمّل في اللّوحات تكتشف أنّ الرسّامة أتقنت اختزال الفكرة حين بثّتها في اللّوحة من خلال الجزئيات و التّفاصيل وعيا منها بجدّيّة التّعاطي التّشكيليّ مع الموضوعات و التّيمات التي اشتغلت بها و يبرز ذلك بالخصوص في التّمكّن من فنّ الرّسم و استحقاقاته الجماليّة و الفنّيّة..

الأبواب..الأقواس..الحوانيت
الأزقّة المتّسعة في ضيقها..
الباعة ..الرّجال..صخب الأطفال…..
لكلّ هؤلاء و لأجلهم..
تقف المراة ملتحفة بالدّهشة و بالبياض..

معرض تتلوه معارض أخرى للرسّامة زينب في تونس ..هنا و هناك.. سعي و نزوع نحو المغامرة التّشكيليّة بكثير من الوفاء و البحث المفتوح و الذّهاب مع العناصر و التّفاصيل و الأشياء في عالم معتلّ…و به الكثير من جنون البشر..
و ما الفنّ إن لم يكن مثل هذا الذّهاب في البعيد من حيرتنا القديمة و سؤالنا الحارق و دهشتنا الطّافحة بالصّمت ..؟

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*