المدينة المُغْتَرَب في شعر محمّد رضا الجلاّلى : محمّد صالح بن عمر

jallali

الشّاعر التوّنسي ّمحمّد رضا الجلاّلى ( 1961 – 2000 )

ag42-palmarium_commerce_tunis

أحد أنهج تونس العاصمة

122780098

أحد أنهج تونس العاصمة

ليس هذا الموضوع، مثلما قد يوحي به عنوان بحثنا ، موضوعا أغراضيّا *. ذلك أنّ غايتنا من طرقه ليست استخراج معاني الاغتراب من شعر محمّد رضا الجلاّلي ثم تصنيفها. إنّما هدفنا هو محاولة الوقوف على آليات التّوليد * التي اعتمدها في تشكيل البُنى الدّاخليّة لشعره، انطلاقا من المستوى الدّلاليّ في قصائده، بغية استكشاف القسمات النّوعيّة لمِخياله *.
ولحرصنا على تفادي النّظر الجُمليّ الذي قد يوقعنا في التّعميم، ارتأينا أن نقارب أنموذجا واحدا من هذه القصائد الواردة كلّها في مجموعة الشّاعر اليتيمة الموسومة بخطايا لم يرتكبها أحد . وهو قصيدة بعنوان “فلامنكو تونس1992″ (1). وقد اخترناها لسببين: الأوّل هو أنّها تدور حول المدينة التي تشكّل الهاجس الأقوى في تجربة الشّاعر والآخر هو أنّ عنوان المجموعة قد اقتطف من أحد أبياتها.

1 – مستوى القصيدة الدّلاليّ :
1-1 :النّواة الدّلاليّة التّأسيسيّة:
تشكّل المدينة حيّزا مهمّا داخل فضاء الأنا الشّاعر. وذلك بحكم كونها اتّخذت مسرحا لحركاته وسَكَناته وخَلَجاته وهواجسه في معظم القصائد التي كتبت بعد سنة 1982 (2). وهي تاريخ انتقال الشّاعر من الجنوب التّونسيّ – وتحديدا من مدينة الرقاب الكائنة بولاية سيدي بوزيد – إلى العاصمة وضواحيها
.
والأرجح أنّ الأصل في تأزّم علاقة الأنا الشاّعر بالمكان عامّة إنّما يعود إلى خيبة الأمل التي مُئي بها بعد انتقاله من عالمه الأصليّ الجنوب إلى العاصمة، هذه المدينة البرّاقة المليئة مُغرِيات التي لا تفتح مع ذلك ذراعيها بسهولة للوافدين الجدد
.
ففي قصيدة ” فلامنكو 1992″ المؤرّخة في أواخر سنة 1992 تنكشف المدينة عن بنية ثنائيّة تقابليّة غير متعادلة الطّرفين، أوّلهما يلوح على هيئة مركز تتجمّع فيه أسباب القوّة والسّلطة ومظاهر الأبّهة والفخامة، على حين يتبدّى الآخر في صورة هامش يسوده الإهمال والتّدهور.

وهذا الطّرف الثّاني هو الذي فتحته المدينة في وجه الشّاعر، ليكون له فيه مستقرّ ككلّ النّازحين إليها من الآفاق. لكن، على عكس ما هو منتظر، قد خلت النّواة الدّلاليّة التّأسيسيّة للقصيدة من أيّ إحالة صريحة إلى هذا التّقسيم المكانيّ الجائر. فقد اختار الشّاعر، بدلا من ذلك، أن يبني نصّه على ثنائيّة إيجابيّة مباغتة، استعارها من حقل الحبّ، طرفاها عاشق ولهان هو الأنا الشّاعر، ومحبوبة قاسية متكبّرة مُعرضة عنه كلّ الإعراض . وهي المدينة
.
يقول الشاعر في مطلع قصيدته :
رميتُ قلبي حصاةً على شُبّاكِها
لكنّها لم تَرُدَّ
(خطايا لم يرتكبها أحد ص 34)
لكنّ هذا الإعراض ينطوي على مفارقة. وهي أنّه لا يتعدّى رفض اقتراب العاشق من ساحة المعشوقة أي من المركز، مقابل السّماح له بالاستقرار وحرّيّة التّحرّك في الهامش. وهي طبعا حرّيّة زائفة، لأنّها، عمليّا، حرّيّة التشرّد والتَّيْه والانهيار الجسميّ والنّفسيّ، أي حرّيّة الموت .
إنّها لمفارقة مُحيرّة حقّا، لأنّ المدينة، من ناحية تفتح للشّاعر أبوابها الخارجيّة ومن ناحية أخرى تغلق في وجهه أبوابها الدّاخلية، مفضّلة ممارسة لعبة التّهميش معه، بدلا من إقصائه وطرده حتّى لكأنّ وجود الهامش والمهمّشين ضروري ليشعر أهل المركز برفعة مكانتهم وسلامة رؤاهم وصحّة معاييرهم في التّقويم . لكنْ إذا كان المركز يهيمن على الهامش هيمنة كلّيّة في الواقع الماديّ المحسوس فإنّ حضور هذا الهامش في خطاب الشّاعر هو الأقوى، إلى حدّ أنّ وجود المركز فيه يكاد يكون ضمنيّا، لقلّة الإحالات والإشارات إليه. وهو أمر بديهيّ لأنّ القصيدة تصوّر، في الحقيقة، معاناة الأنا الشّاعر داخل الهامش، ذلك الذي أُعِدّ لاستقبال أمثاله و إيوائهم لكن على نحو مُهين للذّات الإنسانيّة وخادش للكرامة البشريّة
.
وهكذا فإنّ النّواة الدّلاليّة للقصيدة- وهي علاقة حبّ من طرف واحد بين الأنا الشّاعر والمدنية- يتولّد عنها محوران أسَاسَان يستأثران بمعظم الإحالات والإشارات داخل الخطاب هما : الهامش والأنا الشّاعر.
1- 2: صورة الهامش :
ينهض الهامش في القصيدة مكاناً لتلفّظ * الباثّ * .وهو الأنا الشّاعر وفي الآن نفسه شبه مَرْصَد منه تنطلق رؤيته. لكن لمّا كانت أسوار المركز شاهقة وأبوابه مغلقة فإنّ نظر الباثّ لا يتعدّى حدود هذا الهامش الذي يحتويه.

لقد تناثرت بين ثنايا النّص سبع مفردات تحيل على الهامش . وهي: الحانات والفنادق والزّوايا والمنعطفات والمواخير والمحطّات والمقاهي.
هذه المواضع والمحالّ هي، في المعقوليّة العامّة السّائدة عند أهل المركز، فضاءات مهيّاة لخرق نواهي الأنا الأعلى الاجتماعيّ * واستباحة محرّماته. لذلك فهي تشكّل بؤرة للانحطاط الإنسانيّ. فالحانة لشرب الخمر والفندق الشّعبيّ أو الوكالة لاستقبال الرّعاع والزوايا والمواخير لممارسة العلاقات الجنسيّة الممنوعة والمنعطفات لقطع الطرق أمام المارّة والمحطّات للنّوم المُهِين والنّشل والمقهى لتمضية الوقت وملء الفراغ.

لكنّ الأنا الشّاعر، فيما تشير إليه الكثير من العناصر التلفّظيّة، لم يختر هذا الوضع بل فُرِض عليه فرضا. لذلك تواترت في القصيدة العبارات المُصَرِّحة أو الموحية بعدم الانسجام معه بل بمعاناة الشاعر الأليمة في ظلّه
1 -3 : صورة الأنا الشّاعر:
إنّ الصّورة التي رسمها الأنا الشّاعر لنفسه – كما أسلفنا- هي صورة عاشق ولهان يعيش قصّة حبّ مستحيل. وهذه الصّورة الاستعاريّة قد تولّدت عنها جلّ الحالات ومعظم أنماط السّلوك التي تلازم، في العادة، العاشق . وهي الوحدة(“وحيدا تَرَكَتْني”) والأرق ( “نستجدي النّومَ في الفنادق”) والإدمان (“إتلاف الكبد “) والتسكّع (“جلدّةُ رصيفِها في حذائي”) والحرمان (“جائعا”) .
إلى حد ّهنا تلوح حالة هذا العاشق عادية. لكنّ بعض الإشارات تفيد أنّها تطوّرت إلى شعور بالذّنب * في منتهى الحدّة . وهذا الشّعور، نفسانيّا، نوع من أنواع العُصاب *. وهو ما نستخلصه مثلا من قول الشاّعر:
كيف أنامُ وروحي بيوتٌ واسعةٌ
مجّانا
تسكنُها كلُّ الخطايا التي لم يَرْتَكِبْها أحدْ
(المصدر نفسه ص 35)
بل تطوّرت هذه الحالة إلى تدمير للذّات. وهو، في الطبّ العقليّ، لون من ألوان الذُّهَان*.
وفي هذا يقول الشّاعر :
أُلَفِّقُ استمرارَ عيشي
بمزيدٍ من إتلافِ الكَبِدْ
(المصدر نفسه ص34 )
ويقول في موضع آخر:
جائعا.. أقتاتُ من بدني
(المصدر نفسه ص 35 )
ومن أنواع الذّهان أيضا الانشطار * . وهو ما يوحي به قوله :
أفتّش عنّي في الزّوايا، في المنعطفات، في مواخير المدن العتيقة، في حقائب العابرات، في جيوب المتسوّلين
(المصدر نفسه ص 36 )
ومع هذا ومهما بلغت حالة الشّاعر من درجات التأزّم فإنّها تبقى حالة عاشق. ألم يؤدّ الحبّ قديما، ببعض عشّاق العرب إلى الجنون؟ بل إلى الموت؟ وهو المصير الذي يتوقّعه الشّاعر ويعلن عنه في آخر القصيدة حيث يقول:
لذا سأظلّ هنا
إلى أن أُتْلِفَ هذا الجسد
(المصدر نفسه ص 36)
هذه هي إجمالا البنية الدلّاليّة للقصيدة. وهي تمتاز بالتّطابق التامّ بين حياة الشّاعر في حلبة الواقع وتجربته الشّعريّة، حسب الشّهادات الكثيرة التي أدلى بها أصدقاؤه ورفاق دربه ممّن عايشوه في تسعينات القرن الماضي بالعاصمة .
2- : المستوى التخيّليّ :
إنّ الصّورة التي حاولنا رسمها للمدينة، انطلاقا من الإشارات المبثوثة في القصيدة هي صورة جُمْلِيّة لمشهد مختلّ التوازن نُظِرَ إليه من أحد مكوّنيها وهو الهامش. وهذا الموقع الذي هو، في المعقولية العامّة ، كما أسلفنا ، موطن ” الهو” * بالمفهوم الفرُويْدِي للكلمة أي بكلّ ما يعنيه من انسياق وراء الغرائز البهيميّة وتمرّد على العقل، قد تحوّل على امتداد الخطاب من قَبْوٍ للتّجميع المهين، إلى هوّة لاحتواء من تزلّ بهم القدم، فضلا عن قابليّته للانقلاب إلى مقبرة كلمّا دعت الحاجة إلى ذلك.
هذا المستوى الذي هو مستوى القصيدة الدّلاليّ ليس، في الحقيقة، منفصلا عن مستواها الشّعريّ. بل هو متلبّس به مندمج فيه. وذلك لقيامه أساسا على العدول. والعدول هنا هو انزياح الهامش تماما عن المركز واتّخاذ الشّاعر إيّاه محورا للخطاب في القصيدة. وقد أعانه على تحقيق هذه المطابقة بين المستويين بناء نصّه، كما بيّنّا، على استعارة مزدوجة هي استعارة العاشق للنّازح القابع في الهامش والحبيبة القاسية التي هي المدينة وقد اختزلت نفسها عمليّا في المركز .
وقد حرص منشئ الخطاب على أن تكون هذه الاستعارة بمنزلة القالب الذي يحوي المستوى الدّلاليّ بأن افتتح بها القصيدة .و ذلك في قوله :
رَمَيْتُ قلبي حصاةً على شبّاكها
لكنّها لم تَرُدَّ
( المصدر نفسه ص 34 )
ثمّ أغلقها بها حيث يقول :
تونسُ روحي بل أنا روحُها
لذا سأظلّ هنا…
بعد أن أُتْلِفَ هذا الجسدْ…
(المصدر نفسه ص  36)
وممّا لا شكّ فيه أنّ تحميل هذه الاستعارة دلالة رمزيّة – وهي أنّ العشق الذي تملّك الأنا الشّاعرَ إنّما هو شعوره الوطنيّ وأنّ معشوقته القاسية تلك، ليست سوى وطنه- ليعدل بالصّورة عن المعنى الحقيقيّ مسافة شاسعة .
لكنّ هذه الصّورة لا تخلو، مع ذلك، من بعد مازوشيّ. ذلك أنّ استعذاب الألم مهما كانت أسبابه ودوافعه هو حالة مَرَضِيّة. وهذه الحالة هي، في الأغلب، حالة نمطية. ذلك أنّ الرّيفيّ النّازح بوجه عامّ لا يتعدّى سلوكه داخل المدينة أن يكون موافقا لأحد النّمطين التاّليين: الأوّل هو التمرّد. ومَنْشَأ هذا الموقف هو تعلّق الناّزح بالقيم السّامية التي تربّى عليها في محيطه الأصليّ واعتقاده أنّ القيم السّائدة في المحيط الحضريّ الذي نزح إليه تتعارض وإيّاها بل تحاصرها وتعمل على طمسها . وهذا، على سبيل المثال، موقف المتنبّي من كلّ البيئات الحضريّة التي حلّ بها.
أمّا السّلوك الثّاني- وهو، كما نرى، سلوك الأنا الشّاعر في هذه القصيدة – فهو، على العكس، الانسياق وراء ما يوفرّه الفضاء الحضريّ للنّازح من حرّيّة واسعة تسمح له بالتّفريج عن رغائبه التي تعوّد كبتها في محيطه الأصليّ .
لكنّ الشّاعر باعتباره فنّانا نراه يقلب هذه الحالة التي هي سلبيّة في الو اقع المعيش إلى حالة إيجابيّة في المستوى التّخيّليّ. فإذا هو عاشق. وإذا هو وطني وليس ضحية لعُصَاب أو ذُهَان.

ولنتوقّف الآن قليلا عند النّسيج البلاغيّ للقصيدة. وهو عبارة عن سلسلة من الصّور الاستعاريّة والكنائية والتّشابيه التي إليها تُرجمت المكوّناتُ الفرعيّة للمستوى الدّلاليّ.

إنّ صياغة الصّورة عند محمّد رضا الجلاّليّ في هذه القصيدة تخضع لطريقتين رئيستين : الأولى هي الإفراط في التّضخيم أو الذّهاب إلى أقصى حدّ ممكن والأخرى التبادل.

من النّوع الأوّل نذكر تَكْنِيَتَهُ عن الإكثار من شرب الخمر ب “إتلاف الكبد” و“الاقتيات من البدن “ و“إتلاف الجسد” وكذلك استعارته لشعوره بالذّنب ” البيوت الواسعة المسكونة من كلّ الخطايا التي لم يرتكبها أحد” .والمستعار هنا، كما نرى، جاء هو نفسه استعارة ، إذ استعار البيوت لروحه. وفي هذه الصّورة المركّبة تتجسّد المبالغة في معنى الشّمول الذي تفيده عبارة “كلّ الخطايا التي لم يرتكبها أحد”.
ويعترضنا الأسلوب نفسه في استعارة الشّيء الضائع للأنا الشّاعر. وذلك في قوله:
“أفتّش عنّي في الزّوايا، في المنعطفات، في مواخير المدن العتيقة، في حقائب العابرات، في جيوب المتسوّلين، في المحطّات، لم يجدني أحد”
( المصدر نفسه ص 35)
ومن ذلك تشبيهه عمليّة إهدار الأنا الشّاعر عُمْرَه بإتلاف النقود على طاولات المقاهي. وكذلك شأن الصّورة التي اختتم بها القصيدة. وهي إصرار الأنا الشّاعر على البقاء في الهامش واستمراره في إتلاف جسده حتّى الموت
.
أمّا التبادل فهو بلوح مثلا في إسناد الشّاعر جلدة الحذاء إلى الرّصيف. وذلك من قوله :
جلدة رصيفها في حذائي
( المصدر نفسه ص 35)
وفي إسناده السّكر والخوف إلى الشّرطي، بدلا من الذي يتّصف بهما في الحقيقة .وهو الأنا الشّاعر
.
يقول في هذا المعنى :
شرطيّها يُسكِرُني
لكنّني أصحو… ويَسْكَرُ فيضربُني
خائفا يرتعد
( المصدر نفسه ص 36 )
ويقول :
تونس روحي بل أنا روحها
( المصدر نفسه ص 36 )
فهل استخدام محمد رضا الجلاّلي هاتين التّقنيتين في صياغة الصّورة هما من خصوصيّات الكتابة الشعرية عنده ؟ أم هل فرضهما موضوع القصيدة التي اخترنا قراءتها في هذه المداخلة ليس غير ؟ ذلك ما لا يمكن البتّ فيه إلاّ بدراسة الصّورة الشّعريّة في مجموع قصائد الشّاعر على نحو مفصّل . وهو موضوع بحث مُغْرٍ قد تتاح لنا فرصة القيام به لاحقا .
ولا يفوتنا، قبل اختتام هذه القراءة، أن نتوقّف، ولو على عجل، عند عنوان القصيدة أي “فلامنكو تونس 1992″. فالإحالة المكانيّة والزمانيّة ثمّة، تشير بوضوح تامّ إلى السّياق التّاريخيّ الذي وصف فيه الشّاعر تجربته القاسية داخل المدينة، تلك التي نزح إليها من قريته الجنوبيّة فتعذّر عليه الاندماج في محيطها. فعاش فيها غريبا رغم عشقه الجنونيّ لها. أمّا لفظ “الفلامنكو” الذي يدلّ قاموسيّا على الرّقصة الشّعبية الإسبانيّة المعروفة فليس المقصود به هنا فيما يبدو لنا دلالته العامّة. ذلك أن إضافته إلى “تونس ” قد أكسبته دلالة خصوصيّة هي التي توحي بها تلك الرقصة النّابعة ، في الأصل، من معاناة المسلمين واليهود والغجريّين بمدينة إشبيلية بعد سقوط الأندلس حين سلّطت عليهم الكنسية الكاثوليكية ألوانا شتّى من القمع والاضطهاد . فجاءت إيقاعاتها ترشَحُ حزنا وألما وإحساسا عميقا بالاغتراب.
الخاتمة :
إنّ هذه القصيدة ” فلامنكو تونس 1992″ لمحمّد رضا الجلاّلي متناصّة على نحو واع أولا واع مع البيت الشّعري العربي القديم الشهير الذي قاله أمير مكّة الشّريف قتادة ( ت 617 ه ) سنة 609 للهجرة :
بلادي وإن جارت عليّ عزيزةٌ
وقومي وإن ضنّوا عليّ كرامُ
لكنّ شهادات كلّ أصدقاء الشّاعر والمقرّبين منه تؤكّد أنّه هو الذي انساق بمحض إرادته إلى نمط العيش الذي اتّبعه، مفضّلا إيّاه على كلّ الحلول التي كان من الممكن أن تساعده على الاندماج في المدينة . ومهما ين من أمر فإنّ ثمّة، في اعتقادنا، حقيقتين لا يرقى إليهما الشكّ هما أوّلا: شعور محمد رضا الجلاّلي الوطنيّ القويّ الرّاسخ، ثانيا :ملكته الشّعريّة الثّابتة من بين جيل عُمُريّ لا أدبيّ، لم تتفتّق فيه كثير من المواهب – وهو جيل الثّمانيات – على عكس الأجيال السابقة والجيلين اللاحقين له . وقد يُعْزَى ذلك إلى أنّه ظهر في مرحلة تاريخيّة انتقاليّة حسّاسة مربكة انتهى فيها عهد الحرب الباردة و انهارت الإيديولوجياّت .فلم يقدر على التأقلم مع الوضع الذي أحدثته على الصعيدين العربيّ والكونيّ . وهو ما فسح المجال أمام جيل جديد استطاع أن يستوعب خصوصيات هذه المرحلة وأن يكيّف خطابه معها .وهو جيل التّسعينات.
ومهما يكن من أمر فإنّ صوت محمّد رضا الجلاّلي صوت متفرّد في جيله حقيقة لا مجازا. واللّون الذي كتب فيه يربطه كمّا ونوعا بتجارب شعراء ينتمون إلى الأجيال السّابقة لعل أبرزهم امرؤ الصقليّ ( Marius Scaleisi ت 1922) ومحمّد العريبي (ت1946) وجمال الدّين حمدي (ت 2000) .
الهوامش :
1 – محمد رضا الجلاّلي ، خطايا لم يرتكبها أحد ، دار دمدوم للنشر ، تونس 1997 ( لكن الطبعة لا تحمل تاريخا ) ص ص 34 – 36
2 – اشتملت المجموعة على 18 قصيدة كتبها الشّاعر بتونس العاصمة من جملة 37 قصيدة أي ما يقارب نصف العدد الجمليّ للقصائد .
المصطلحات :
* أغراضي (Thématique )
*التّوليد (La génération )
*المِخيال (L’imaginaire )
*التلفّظ (L’énonciation )
* الباثّ (Le récepteur )
*الأنا الأعلى الاجتماعي (Le Sur-moi social )
* شعور بالذّنب (Sentiment de culpabilité )
* العُصَاب (La névrose )
* الذُّهان (La psychose )
*الانشطار (Le dédoublement )
*الهو ( ( Le ça

من هو محمد رضا الجلالي ؟
ولد محمد رضا الجلالي بالرّقاب (سيدي بوزيد – الجنوب التونسي ) في 6 مارس 1961 . وتوفي بتونس في 17 جانفي سنة 2000 . زاول دراسته الثانوية بقفصة. حصل على شهادة ختم الدروس الترشيحية. اشتغل معلّما ثم صحافيا.

برز صوته الشعري في النصف الثاني من الثمانينات. يترجم شعره عن شعور حادّ بالاغتراب داخـل المدينـــة ( تونس العاصمة) التي وفد عليها نازحا واختر الانضمام إلى الأجــواء الخاصّة السائدة فـي جانبها الخلفيّ. وقد قاده ذلك النمط من الحياة الذي أقبل عليه بمحض إرادته إلى الموت في عزّ شبابه.
ترك مجموعة شعرية واحدة عنوانها خطايا لم يرتكبها أحد ،تونس ، دار عبد اللطيف دمدوم ، تونس د.ت .وهذه المجموعة طبعت سنة 1997 لكنها لم توزع لخلاف جد بين الشاعر والناشر ثم استمر الخلاف بعد موت الشاعر بين الناشر وورثاء الشاعر، كما أن الغلاف، فيما أعلم، لم يطبع وقد حصلت من الناشر على محتوى المجموعة بلا غلاف .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*