قراءة في نيازك ” قصص قصيرة جدّا ً ” للقاصّ العراقيّ المصيفيّ الرّكابيّ: بقلم: قاسم ماضي – ناقد عراقي مقيم بدترويت – الولايات المتّحدة الأمريكية

المصيفي الركابي

قاسم ماضي

نيازك ” قصص قصيرة جدا ً ” للقاص العراقي المغترب ” المصيفي الركابي ” حالاتُ رصدٍ كثيرة بكل تجلياتها وهي التي تواكب اتجاهه الفكري.
وأنت تقرأ بتمعن وروية ، كل نص قصصي من النصوص القصيرة جداً التي كتبها القاص وفيها من التراتبية الكثير ، والحبكة التي تجعلك تدور في فضاء هذه القصص القصيرة جداً  منطلقا ً من نمط السارد والشخصية ، وهذا النمط كما يقال عنه حيث يستقبل العالم القصصي من خلال وعي الشخصية   السارد ورغبته .والقاص المغترب ” الركابي ” له مواهب كثيرة في كتابة القصص القصيرة جداً ، وكذلك في كتابة القصيدة ،وهذه المزاوجة كانت دليلاً على وجود الموهبة المتوقدة الذي تعيش فيه منذ كان صغيراً وهو يراسل جريدة “الراصد” ، وينشر فيها .
“اغتصبته بعنف : ولى هارباً صوب الكعبة !! قال : لها سأخبر الله عنك !! اغتصاب ”
يقول عنه الكاتب ” مصطفى عيد ” لن نجيد الكتابة عن شيء نجهله  ، عن النفس البشرية التي كتب عنها علم النفس وعلم الاجتماع والتنمية البشرية والتراث الإنساني كله . ولو وضعنا ” المصيفي ” في دائرة النقد لوجدنا إنه يمتلك أدوات كثيرة من خلال عبوره بالنص القصصي القصير جداً إلى منطقة الرتابة والسأم ،والتشكل التقليدي . وهو لا يكل ولا يمل في بحثه عن الدائم عن كل ما هو جديد ومفيد للقارئ العربي .وحتى يتماشى مع أبناء عصره عمل على تقديم مادته القصصية والشعرية عبر هذا الجنس الأدبي ، لأن عالمنا هذا الذي أصبح عديم القراءة ، والخلود إلى الماديات بات الهدف الأهم في هذا العصر المخيف والمرعب . هدير الباطل يملأ الأجواء ،وأضواؤه تبهر العيون .

” طاغية ينفذ جرائمه المتتالية مع سبق الإصرار .يخنق الأطفال الفارين وذويهم من شبح الموت ، ما من أحد يوقف طغيان أمواج اليم الهائج “الخناق ص122
وهو في مختبره هذا يكشف عن مخيلة كحائية. فهو يراقب ما يدور في عصرنا ويستمع إلى شخوصه الذين لهم علاقة به .وهذا الترميز الجميل يجلب انتباهنا  نحن قراء ومتابعين إضافة إلى الكثير من الإسقاطات التي يتلاعب بها.
” يلف عمامته جيدا ً ، بيده صولجان يتكئ عليه ، يبدو كأنه من أولياء الله ، مسكته القيمة على دار الأيتام وهو يسرق قوتهم ، جرت عمامته وربطت بها حمارة عرجاء خلف الدار ” حرامي ” مودرن ” ص125
ونجد في معظم قصصه مثل ” الطريدة ، لعنة ، افتقاد ، سؤال ، لعبة الحياة ، وصية ، بنات نعش ، وغيرها من القصص ، زادت من الطابع الواقعي للقص ،وقد خففت من الرتابة المملة في السرد ،لأن هذا الجنس الأدبي ، حديث الولادة والبعض الآخر يقول قديم الولادة حسب الدراسات التي حصلنا عليها ، وهو يمتاز بقصر الحجم والإيماء المكثف ، والنزعة القصصية الموجزة ، والمقصدية الرمزية المباشرة وغير المباشرة .
وعند محاولتك سبر أغوار نصوص القاص والشاعر العراقي المغترب ” المصيفي الركابي ” تكتشف أنك تدخل في مشهد متكامل و مستقل ، فيه من السيمياء والطرح العميق ما يكشف عن مخيال خصب ، وهذه الحكايات التي يكتبها من نسيجه الخاص ، حتى يخلق شخصيات مرتبطة بالحياة أكثر من ارتباطها بُمثلٍ أو بعاطفة من عند الكاتب ، وهي تمثل انعكاساً صادقاً للواقع الذي نعيشه ، وكتاباته القصصية القصيرة جدا ، مؤطرة ومحددة بكثافة بنائية ترسم لنا الآفاق التي انطلق منها  ،وهي  تمتلك خصائصها الواقعية من جهة والدلالية من جهة أخرى ، وهذه القصص القصيرة جداً  تحرك فيك الكثير من الهواجس والأسئلة بين الذات ، والوطن ،  والإنسان . والقاص ” المصيفي” كمن يحمل كامرته على ظهره لينقل لنا الثيمات التي فيها من الموضوعية الكثير، وكأنه يقوم بتسجيل الأحداث وتوثيقها عبر لغة بلاغية مكثفة فيها الكثير من الاختزال في المعاني.
يقول الكاتب ” ذياب شاهين ” إن الحوار يمثل بنية نفسية في باطن الكائن الإنساني والحوار إليه يعتمد إليها الانسان بوصفها حقيقة وجودية ” انطولوجيا ” تحيل لحقيقة الحضور المادي له بوصفه كينونة ” 1
” لاحَ وصاحَ ، بح صوتهُ ، عض لسانهُ وسكت ” نداء ص 2
ولئن كانت القصة القصيرة جداُ  قائمة بطبيعتها على قاعدة تناقض وتعارض ومصادفة وانعدام إحساس بالتوافق ، والانسجام مع بعض الأشياء والذوات ،فنجد جميع قصصه تتحرك على الورق الأبيض ، كأنها تسير إلينا بتأمل وبنظرة ثاقبة من الداخل ،  وفيها الكثير من الصبر والهدوء الذي تراكم لديه من مجمل حكاياته التي قدمها لنا في هذه المجموعة الصادرة عن مطبعة بيت الثقافة والنشر –ميشغين والتي حملت عنوان ” نيازك ” لعام2017.
يقول عنه الكاتب السوري ” محمد جمال دنورة ” في مقدمة الكتاب ، إنها لمتعة أن يحاول المرء فهم وتأويل القصة القصيرة جدا ، فالقارئ يقرأ السطور ومابين السطور ، ويحاول تخيل الصورة التي رسمها المؤلف .ص1
” يستسلم لحالات ضيق ، خلقٌ يسأم أشياءه ، صار يقرأ ويمشي بالمقلوب كي يرى الأشياء كعادتها ” سأم ص114
والمتأمل في قصص ”  المصيفي الركابي ” التي تحتوي كثيرا على خاصيات التلميح والاقتضاب وكذلك التجريب وليس هذا فقط بل البحث الدائم في غور النفس البشرية والأبعاد الجمالية ، يجد في قصصه هذه الاقتصار على التسجيل فقط ، لفقدت هذه القصص شرعيتها الفنية والجمالية ،وفي هذه القراءة التي حاولنا من خلالها تسليط الضوء على هذا الكاتب لوجود سمة مهمة من سماته هي انه يتعامل مع هذه الشرائح في واقعها الإنساني الحسي الخام ، لأنه دائماً يملأ هذا الخيال الذي يصفه  بصور كثيرة.
” أمعن النظر في صورة الأمة ، وجد الخلط بين الظل والضوء ” وجهة نظر ص92
والذي يدخل هذا العالم الجميل الذي يتميز بالكثير من الخصائص ومنها خاصية الإدهاش الناتجة عن الإضمار والغموض والحذف والتخييل وترك البياضات الفارغة ، يضاف إلى ذلك الابتعاد عن اصطناع لغة المفارقة والعلامات الملتبسة المحيرة والتي تساهم في خلخلة ميثاق التلقي ، والشيء المفرح نجد كل هذا في هذا المطبوع ” نيازك ” قصص قصيرة جداً لعام 2017 .
وتجدر الإشارة إلا أن القاص كان قد أصدرعددا ً من المطبوعات ،ومن أبرزها ” بين الحقيقة والخيال “خواطر وتأملات ، ومجموعة شعرية بعنوان ” فراشات ملونة ” شعر هايكو ، والمجموعة القصصية التي نحن بصددها والمعنونة ” نيازك ”
قاسم ماضي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*