آخِرُ تحديثٍ للفَقدِ : شعر: ريتا الحكيم – اللاّذقيّة – سورية


ليعلمِ الجميع..
أنَّني بعتُ صوتي للرِّيحِ
نشرتُ صرختيَ الميتةَ لتجفَّ على حبالِ الاستياءِ
وفي غفلةٍ منِّي لمحتُ صوتكَ في مرآتي..
على عجلٍ وَلَجتُها غيرَ آبهةٍ بشظاياها وانكساراتي
لطالما صمَّمتُ أثوابًا لقصائدكَ وقبَّعاتٍ
أرتديها بكلِّ عُريِ وبكاملِ حِشمتي
وأرتقُ بها ثُقوبَ الوُجودِ..
بحزنٍ يليقُ بعدَمِ جدواه

عندما أعودُ طفلةً من جديد
سأرسمُ وجهي وأنا في السَّبعين..
وأضعُ عليه المساحيقَ لأخفيَ ذنوبَ الحربِ
عن تجاعيدي..
لكنَّ تفاصيلَ القذائفِ رجيمةٌ
وأنا أتخبَّطُ في حرائقِها
وأقضمُ قلبي على مضضٍ

ابنةُ الفَقدِ أنا..
فشلتُ في امتحانِ الوفاءِ..
نلتُ علامةَ الصِّفر في اختبارِ الفرحِ
وكانت مرتبتي الأخيرة في مدرسةِ الحياةِ
كوفئتُ بامتيازٍ عن مهارتي في التَّحمل
وقُلِّدتُ درعَ الصَّبرِ عن غربةِ أبنائي

اسألوا عنِّي شوارعَ مدينةٍ تُقاسمُني لوعتي..
اسألوا جدرانَ وحدتي
عن أسماءٍ حفرتُها بأظافري..
عن وجوهٍ رسمتُها بريشةِ مخيِّلتي المُنهكةِ
وحكايات كتبتُها تحتَ وطأةِ انتظاريَ العقيمِ للمجهولِ

يشيبُ شَعرُ الوقتِ بيننا ويفقدُ ذاكرتَهُ
وأنتَ وأنا بمآسينا المُتكرِّرةِ
نتناوبُ على تقطيعِ جثَّتهِ
لن أجرؤ بعد كلِّ هذا الخراب
على إيقاظِ أحلامي في أمسياتِ يأسيَ الخاليةِ منكَ..
سأكدِّسُها فوق خيباتي أمانةً للعائدين من رحلةِ بحثٍ
عن وطنٍ جديدٍ

أصعبُ الأمور أن تكون واعيًا ويقظًا على مدارِ القهرِ
ألَّا ترى سوى شريطٍ مِنَ القسوةِ
يتجاذبُ معكَ أطرافَ الموتِ
أصعبُ الأحزانِ أن تتوسَّدَ ذاكرةً لا تشبهكَ
أن تعبثَ بمقتنياتِها
وتقترضَ من أشلائِها أحزانًا جديدةً

أنا الأمُّ السُّوريةُ..
عزائيَ الوحيدُ أنَّك كنتَ وما زلتَ حزنيَ اليافعَ الأثير.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*