وقائع النّدوة التّكريميّة للفيلسوف التّونسيّ محجوب بن ميلاد بنادي قدماء المدرسة الصّادقيّة سنة2001: 2): كلمةُ منسّق النّدوة محمّد صالح بن عمر

في بحر شهر أفريل من السنة الماضية استأذنّا هاتفيّا الأستاذ محجوب بن ميلاد- رحمه الله- في تكريمه بإهدائه هذه الندوة العلمية. فرحّب تلقائيّا بالمبادرة شاكرا كل المجموعة التي فكّرت في تكريمه. لكن يد المنون لم تمهل أستاذنا الجليل فاختطفته يوم الحادي عشر من جويلية 2000 قبل أن ننال شرف تكريمه في الموعد المحدّد. لذلك استقرّ رأي الجماعة على الاحتفاظ بالإهداء لكن بتوجيهه إلى روحه بدلا من شخصه.

ومهما يكن من أمر فليست العبرة بنوع المناسبة التي نحتفي فيها بأعلامنا أحياء كانوا أو أمواتا وإنّما بعمليّة الاحتفاء في حدّ ذاتها. ولئن فوّتنا على أنفسنا فرصة تكريم أستاذنا محجوب بن ميلاد وهو حيّ فإنّ المجال يبقى أمامنا فسيحا للتعبير عن وفائنا له وتقديرنا للأعمال الجليلة التي قدّمها للمجموعة الوطنيّة في الحقول التي اشتغل أو نشط فيها. وهي التدريس والبحث العلمي والصحافتان المكتوبة والمذاعة.

فلقد استطاع هذا العلم بفضل تكوينه المزدوج المتين- وهو التلميذ الصادقي- في اللّغتين العربية والفرنسية وتضلّعه من مادتي الفلسفة والأدب العربي اللّتين أحرز في كلّ منهما على إجازة ثمّ على التبريز في التخصص الثاني من جامعة الصربون في أواخر الأربعينات أن يضطلع بدور ريادي في تعريب الفلسفة وتطويع أحدث نظريّاتها ومفاهيمها لإعادة قراءة التراث العربي الإسلامي بما يكفل نفض الغبار الذي تراكم على “الهيكل الروحي” للأمّة العربيّة الإسلاميّة طيلة عهود الانحطاط. وهو ما لا يتأتّى، في نظر محجوب بن ميلاد، إلاّ “بمراجعة تراثها المعنوي مراجعة الشمول والقسوة والبصيرة”، وذلك لأنّ ” تحسّسنا لجوانبها الروحية ضروري لمعرفة شؤونها الجوهريّة” حتى “تحتّل المكانة الخاصة بها في نطاق الإخلاص لإنسانيتها الطريفة في الوجود الجديد”.

ولم يكتف محجوب بن ميلاد بتقليب النظر في التراث الروحي الإسلامي قصد استصفاء ما هو نيّر فيه قابل للتوظيف في نهضة المسلمين حاضرا ومستقبلا بل دفعت به روحه الوطنيّة منذ أواخر الثلاثينات إلى تجنيد قلمه في ما أسماه ” تحريك  السواكن” بمعالجة قضايا وطنه وأمّته في مسامرات لا تكاد تحصى بالإذاعة ومقالات وفيرة العدد بالصحف والمجلات لعلّ أهمّها مجلة “المباحث” ذات النفس الوطني والاتجاه التأصيلي الحداثي في أواسط الأربعينات. فكان، في كل ذلك، الباحث القدير والمدرّس الناجح والمثقف الملتزم. وهي خصال يشهد له بها كل الذين تعاملوا معه من رجال العلم والتربية والثقافة والتلاميذ والطلبة والإداريين.

ولهذا فليس من قبيل الصدفة أن ننوي إهداء هذا العلم وهو حيّ ثمّ أن نهديه فعلا وقد التحق بالرفيق الأعلى هذه الندوة العلمية التي تدور حول الوطن تونس مصدرا للاستلهام والاستيحاء. فلقد أحبّ محجوب بن ميلاد هذا الوطن حبّا جمّا وناضل لأجل نهضته وعزّته قبل الاستقلال وبعده، مستوحيا من واقع شعبه عشرات الموضوعات لمقالاته ومسامراته، شأنه في ذلك شأن عشرات المصلحين والمبدعين الوطنيين الذين أحبّوا تونس فألهمتهم أروع ما تفتّقت عنه قرائحهم وأرقى ما جادت به ملكاتهم.

والحق أن هذا الدور الذي اضطلعت به تونس في إلهام أهل الفكر والقلم لم يقتصر على التونسيين وحدهم بل تجاوز ذلك إلى عشرات الكتّاب والشعراء والمفكّرين الذين وفدوا عليها من الشرق والغرب. فشغلتهم بجمالها الطبيعي الخلاّب وثراء رصيدها الحضاري الذي يمتد على أربعة عشر ألف سنة منذ ظهور الحضارة القبصية  بمنطقة الجنوب الغربي وبطرافة شخصيّة شعبها الماثلة في الجمع، في آن واحد، بين الانتماء المتوسطي الدافع على الانفتاح والتجذر في الحضارة العربية الإسلاميّة الحافز على التمسّك بالأصالة ورفض الانبتات.

على أنّ شساعة هذا الموضوع المتولّد عن كثرة الوافدين على بلادنا من العلماء والأدباء عبر العصور  قد اضطرتنا إلى حصره في العصر الحديث وفي نماذج مختارة اجتهدنا في أن تكوين الأهمّ والأرقى. وكلّ ما نرجوه هو أن نوفّق، بهذه الندوة، في تحقيق هدفين معا الأول هو : تقديم لفتة وفاء وعرفان إلى روح علم من أجل أعلام الثقافة والعلم والتربية في بلادنا فاتنا تكريمه في حياته والثاني هو إماطة اللّثام عن وجه آخر مشرق من وجوه تونس أرض الإلهام والإبداع .

  من هو محجوب بن ميلاد؟

( 1916 – 2000 )

  • ولد بقرية منزل جميل بجهة بنزرت في 4 جويلية 1916 وتوفي بتونس في 11 جويلية 2000 .
  • زاول دراسته الثانوية بالمدرسة الصادقية ( 1930 – 1936   ) ثم يمعهد كارنو بتونس ( 1937 ).
  • اشتغل تسع سنوات مذيعا بإذاعة تونس ثم بإذاعة باريس ( 1938 – 1947 ).
  • حصل على الإجازة ثم على ديبلوم الدراسات العليا في الفلسفة و على الإجازة و شهادة التبريز في الآداب العربية من جامعة باريس ( 1948 ) .
  • اضطلع بتدريس الفلسفة بالمدرسة الصادقية ومدرسة المعلمين منذ سنة 1948 ).
  • تولى الإدارة بمدرسة ترشيح المعلمين بتونس ( بداية من سنة 1956)
  • درس الفلسفة الإسلامية بكلية الشريعة وأصول الدين و كذلك أصول التربية وعلم نفس الطفل بمركز البحوث التربوية بتونس  ( بداية من سنة 1961 ) .
  • التحق سنة 1968 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس حيث درس الفلسفة إلى سنة 1976 ، تاريخ إحالته على المعاش.
  • من أهم تآليفه : تحريك السواكن ، ط 1 ، بوسلامة ، تونس ، 1955  – تحريك السواكن ، كتاب البعث ، تونس ، 1956 – تونس بين الشرق والغرب ، الشركة التونسية لفنون الرسم، تونس  ، 1956- تحريك السواكن ، ج 2 ، بوسلامة ، تونس ، 1960 – الفكر الإسلامي بين الأمس واليوم أو شؤون دارنا العقلية ، الشركة القومية للنشر والتوزيع ، تونس ، 1962 .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*