الشّعرُ التّونسيُّ في قرنٍ ونصفٍ (1861 – 2011) : محمّد صالح بن عمر

يمتاز الشعر التونسي منذ نهاية القرن التاسع عشر بالثراء والتنوع. فإلى جانب الشعر التقليدي الذي لم يبرح المواصفات الإيقاعية للقصيدة  التراثية  وأغراضها من مدح ورثاء وغزل ووصف للطبيعة وإخوانيات  قد تمخض الفكر الإصلاحي الذي  انطلق في عهد المشير أحمد باشا  عن لون جديد من الشعر انفتح على قضايا العصر لعل أول من كتب فيه محمود قبادو (1813-1871). وقد انبثقت من هذه التجربة  في أواخر القرن نفسه حركة عرفت ب” الشعر العصري” امتد حضورها حتى العقد  الثالث من القرن العشرين.  وكان من أبرز  أعلامها المؤسسين  محمد السنوسي  (1851-1900) وصالح السويسي القيرواني (1871) ومحمد النيفر وحسن المزوغي ومحمد النخلي (1868 – 1924) وعبد العزيز المسعودي.  ثم واصل السير في الطريق الذي رسمته الشاذلي خزندار(1881 – 1954) ومصطفى آغا (1877- 1946) وبلحسن بن شعبان (1897 – 1963)  فقد دعت تلك الحركة إلى هجر أغراض الشعر العربي القديم وفتح القصيدة على قضايا العصر و توظيفها في تصوير مظاهر التقدم التي أفرزتها الحضارة  الغربية الحديثة.
لكن المتأمل في المدونة  التي أنشأها أولئك الشعراء في هذا الباب jلفته غلبة النزعة التسجيلية عليها  و عدم انطوائها على تجارب  فردية عميقة متميزة، ربما لارتباطها بمحور حضاري عام لا بقضايا وجودية تتيح إمكان الإفصاح عن رؤى شخصية معمقة للذات والآخر والكون.

وتعترضنا في العشرينات  تجربة طريفة لسعيد أبي بكر (1899-1948) تجسمت في  مجموعة من القصائد نظمها على بحور من  اختراعه و أدرجها ضمن ديوانه السعيديات (1927) و مجموعة أخرى من   المقطوعات القصار أصدرها سنة 1930 بعنوان الزهرات يطابق أكثرها ما يسمى اليوم القصيدة الومضة.
أما أهم محطة في مسيرة الشعر التونسي طيلة هذه الفترة فهي بلا منازع   تجربة أبي القاسم الشابي  (1909 – 1934) شعرا وحتى نثرا، إذ  لا يمكن، بأي حال، مقارنتها من جهتي العمق و  ودرجة الاكتمال الفني بما أنشأه أي من الشعراء السابقين أو المعاصرين له. فقد كان صوت هذا الشاعر  طيلة السنوات  الثماني  التي   ظهر فيها للناس، من سنة 1926 إلى سنة 1934، بمنزلة الصرخة المدوية التي ارتجت لها أركان الوسط الثقافي التونسي  بأسره و امتد صداها حتى المشرق العربي حيث وجدت تجاوبا واسعا لم  يحظ بمثله أي صوت أدبي تونسي آخر  حتى اليوم. وهو ما جعل منه  ظاهرة فريدة لافتة و أهله ليكون نقطة استدلال مميزة حاسمة في تاريخ الشعر التونسي الحديث و المعاصر.
وإذا رمنا  الوقوف  في  حياة الشابي ومدونته على العناصر الأشد  إفادة  أمكننا حصرها في  أربعة أساسية: الاثنان الأولان خارجيان  هما الحركية التي أحدثها  بإعلانه  في محاضرته الخيال الشعري عند العرب  سنة  1929 الثورة على الشعر القديم  جملة وتفصيلا و توفقه،على صغر سنه، إلى تخطي حاجز المحلية الذي كان مضروبا حول الأدب التونسي حتى عصره  و إلى احتلال موقع على الصعيد العربي. أما العنصران الثالث و الرابع فداخليان.  أولهما عمق تجربته و الأخر هو تحميله الشعر مفهوما جديدا في محيط طغى على هذا الفن الوفاء شبه التام لمواصفات القصيدة العربية التراثية.
لقد كان الشعر في تونس قبل الشابي صناعة لا يتهيب مراسها أي كان ألم بنصيب من لغة الضاد وعلمي العروض و القوافي، ليصبح بفضل هذا الصوت الجديد الجريء المتوثب تجربة عميقة  في الحياة و اللغة معا تعضدها وجوبا قدرات خارقة على التخيل و  الإدراك والحدس زيادة على حساسية مفرطة شبه مرضية.  .
ولكن هذا المفهوم الجديد  للشعر لم يقض على مفهومه القديم  المتوارث  الذي استمر في الأخذ به عدة شعراء وجدوا انسجاما بين رؤيتهم المخصوصة  للواقع و الذات والكون واقتفائهم آثار السلف. بل إن  هذا الاتجاه التقليدي هو الذي كانت له الغلبة كميا في عهد هذا الشاعر بحكم كونه مكونا من مكونات الثقافة الرسمية.  ومن أبرز ممثليه الطاهر القصار (1899 – 1988) وجلال الدين النقاش (1910 – 1989) والشاذلي عطاء الله (1899-1991)  ومحمد العربي الكبادي (1880 – 1961) ومصطفى المؤدب (1912) ومحمد فائز القيرواني (1902 – 1953) والصادق مازيغ (1906 – 1990).
ولقد ازدهر في الفترة نفسها الشعر الغنائي  العاطفي الموجه  أكثره إلى التلحين والطرب. ومن أهم رموزه محمود بورقيبة (1901 – 1956) ومحمد العريبي (1915 – 1946)  وعبد الرزاق كرباكة  (1901 – 1945)  ومصطفى خريف (1910 – 1967)  ومحمد العربي الكبادي ومحمد المرزوقي (1916 – 1981) وأحمد خير الدين (1905 – 1967) ، كما لفت الطاهر الحداد (1899 – 1935) الانتباه بعدد مهم من القصائد ذات النفس الإصلاحي أمضى أكثرها باسم مستعار “ضمير”.
 من وفاة الشابي إلى الاستقلال
إن أول محطة تستوقفنا بعد وفاة الشابي هي الحركة الشعرية النضالية الوطنية الصريحة التي احتضنتها مجلة “المباحث” في الأربعينات والتي قادها الصادق مازيغ ومحمد زيد (1916) ، إلا أنها سرعان ما توقفت بتوقف تلك المجلة سنة 1947.   لكن “المباحث” وان لم تعمر طويلا فقد مهدت السبيل لظهور أصوات شعرية وطنية مدوية سيكون لها حضور مهم في السنوات المتبقية   من عهد الحماية.وهكذا فلئن  غلب على الشعر التونسي في هذه الفترة  اللون التقليدي  الخالص  الذي تجسد في استمرار الحضور القوي لأعلامه  مثل الطاهر القصار و الشاذلي عطاء الله و جلال الدين النقاش والعربي الكبادي و الهادي المدني (1900) ومحمد بوشربية (1903-1952) وأحمد المختار الوزير (1912-1983) فإن ذلك لم يمنع  ظهور بوادر لتشكل تيار تحديثي قاده شعراء شبان ممن نفخ فيهم الشابي روحه التجديدية  فنشروا عددا من القصائد  والمجاميع نأوا  فيها إن كليا و وان جزئيا عن الخط الكلاسيكي  سواء  على صعيد الأغراض أو من جهة الأساليب طبقا لتصورات  شتى  استلهموها من الظرف التاريخي الذي وجدوا فيه.
ومن أبرز هؤلاء الشبان محمد العربي صمادح (1928-1998) في مجموعته أفق (1953) حيث حذا حذو  الشابي في انتهاج سبيل  الرومنطيقية الإيجابية القائمة على توظيف عناصر الطبيعة في تصوير الثورة والاحتفاء بمعاني القوة و الإرادة و الفعل و مصطفى الحبيب بحري (1932-1990) الذي اقترن في قصيدته المطولة  ثورة العبيد (1955) النفسان الوطني و الواقعي الاشتراكي و عمر السعيدي الغريبي الذي  أعلن أيضا  في مجموعته قيود (1956) التزامه بقضايا الوطن و تجنده للدفاع عن البؤساء و الضعفاء.   ولكن أهم شاعر شاب ظهر في هذه الفترة من حيث قوة الحضور و غزارة الإنتاج واستلهام خصائص المرحلة مع الجمع بين التنظير للشعر وإنشائه هو بلا منازع منور صمادح  (1931-1998). وهو ما تجسد في مجاميعه الفردوس المغتصب (1954) وفجر الحياة (1955) و حرب على الجوع (1955) والشهداء  (1956) و صراع (1956) وفي سوانحه التي نشرها بصحف “البلاغ ” و”الأخبار” و”الزيتونة”. فكان حقيقا بأن يطلق عليه لقب شاعر الكفاح الوطني.ففي هذه المجاميع التي منعت السلط الاستعمارية إحداها وهي فجر الحياة  استلهم الروح الوطنية للشابي، تلك التي أفصح عنها في قصائده “إرادة الحياة” و “فلسفة الثعبان المقدس” و “النبي المجهول” و ما شاكلها لينشئ لونا من الشعر سماه “الشعر الواقعي” قرن فيه مفهوم التحرر الوطني بالعدالة الاجتماعية، مستنبطا  هذا المفهوم الثاني من المناخ النقابي الذي أرسته المنظمة العمالية الفتية الاتحاد العام التونسي للشغل  إثر تأسيسها سنة 1946. و قد ترتب على طرق الشاعر هذا الغرض الجديد مع حرصه على إبلاغ صوته إلى الجماهير الشعبية مباشرة في  التجمعات السياسية والنقابية  هجره  المعقد من الصور و الغريب من الألفاظ. فجاءت لغته قريبة من لغة الصحافة.
و تجدر الإشارة إلى أن هذه الفترة هي التي دخل فيها الشعر التونسي لأول مرة نمط الشعر الحر. و كان ذلك على أيدي بعض الشبان الذين تخرجوا في الجامعات الشرقية مثل مصطفى الحبيب بحري و الشاذلي زوكــــــــار (1931-2008) و محمد العروسي المطوي (1920-2006) وكذلك  محسن بن حميدة الذي تأثر بالشعر الحر الفرنسي  بحكم ثقافته المزدوجة.
من الاستقلال إلى أواخر الستينات  :
لقد اتسمت هذه الفترة بهيمنة الشعراء الكلاسيكيين -وكان أكثرهم من المخضرمين- على المنابر الأدبية في الدوريات ودور النشر والإذاعة.  وإذا تأملنا دواوينهم  – وقد صدر معظمها بعد الاستقلال – وجدنا قصائدهم الجديدة تدور حول ثلاثة محاور شبه قارة هي المديح السياسي واللون الديني والوجدانيات.
فالغرض الأول هو تمجيد نضال الحزب الدستوري  في عهد الاستعمار وامتداح قائده. وأبرز من كتب في هذا اللون أحمد اللغماني  والهادي نعمان (1927-1993) والشاذلي عطاء الله والهادي المدني وأحمد المختار الوزير والطاهر القصار ومحمد الشعبوني (1928-1992) ومصطفي المؤدب وجلال الدين النقاش وأحمد خير الدين ومحمد مزهود (1928-2003).
أما الغرض الثاني فمداره على  الابتهالات ومدائح الرسول (صلعم) وإحياء الذكريات الإسلامية. وأهم من كتب فيه الناصر الصدام (1919-1992) والهادي المدني ومصطفي المؤدب وأحمد المختار الوزير والحبيب المستاوي(1923-1975).وأما الغرض الثالث  فيضم مختلف الموضوعات  الوجدانية من حب وصبابة وسهاد وفراق ولوعة وشكوى وحنين وتأثر بجمال الطبيعة. وغالبا ما تصور هذه الأحاسيس والمواقف بأسلوب تطغى عليه التشابيه والاستعارات والكنايات والمجازات القديمة.ومهما يكن من أمر فإن هذا الاتجاه يجسد عطاء جيل أدى دورا لا يستهان به في الحفاظ على اللغة العربية الفصيحة، أحد مقومات الشخصية الوطنية.
أما التحديث فقد سار في اتجاهين: الأول تنزل في إطار القديم حرصا على التواصل بين الماضي والحاضر. والآخر كان امتدادا للشعر الشبابي الذي ظهر في المرحلة السابقة. ويمكن تفسير ظهور الاتجاه الأول بأن الاحيائيين فرضوا ضربا من الرعاية على شق من الشعراء الشبان، إلا أن هؤلاء -وقد تشبعوا بروح الشابي التجديدية- لم يخضعوا تماما  للوصاية بل طفقوا يبحثون عن مسالك مستحدثة داخل النمط الكلاسيكي نفسه. و ذلك بالحفاظ على عمود الشعر طبقا لمواصفاته الخليلية لكن  مع التجديد في مستوى الأغراض و الموضوعات. أما الاتجاه الشبابي الآخر فقد اتجه إلى  الشعر الحر مفضلا إياه على العمود.
فالشق الأول يمكن أن نسمي الاتجاه الذي اختار السير فيه الاتجاه الكلاسيكي الجديد. ومن أبرز ممثليه جعفر ماجد الذي تميز في مجموعته نجوم على الطريق (1969) بقدرة فائقة على تطويع عمود الشعر  للتعبير عن رؤية جديدة قوامها الصورة الشعرية المبتكرة. ففي قصيدته “عالم في خيالي” ينطلق من تصور غير بعيد عن الأذهان. وهو تمثيل الهلال بمركب و السماء بمحيط، إلا أنه بفضل قدرته التخيلية يتوسع في رسم ملامح هذه الصورة. فإذا هي عالم سحري يتخذ منه مسرحا لمغامرات عجيبة تقوده في النهاية إلى معانقة الأبد حيث لا ماضي و لا آتي.  و مع ذلك فليست القيمة الحقيقية لهذه القصيدة في دلالتها الوجودية فحسب  و إنما أيضا في صياغتها البلاغية مع إحكام الصناعة العروضية و التقيد بمعايير الفصاحة العربية الأصيلة.
و من الاتجاه نفسه عبد العزيز قاسم في مجموعته حصاد الشمس (1975) حيث لم يمنعه تمسكه بالضوابط العروضية للقصيدة العربية القديمة من الخوض في موضوعات تدور حول منزلة الإنسان في الكون. ففي قصيدته “كلمة” –مثلا-  يقف الشاعر من الوجود الإنساني موقف الحائر المهموم. فالحقيقة أمامه ملتبسة بالوهم. و لا يجد، في نهاية المطاف، سوى الكلمة أداة للحسم في تردده بين الشك و اليقين لأنها هي التي بها يتحدى فيضفي تحديه بها على حياته معنى.
و إلى هذا التيار ينتمي جمال الدين حمدي  (1935 – 2000) في مجموعته سواحل مهجورة (1974) التي تكشف رغم التزام الشاعر بالعمود عن تجربة  عميقة  في مضمار الحياة. فقصائده  تفصح عن رؤية سوداوية مقترنة بنغمة شكائية بكائية قوامها الأنين المستمر و التبرم بالحياة. أما الشق الثاني و إن اختار الخروج على عمود الشعر  بالكتابة على  النمط الحر المشرقي فقد توزعه اتجاهان متباينان: الأول غلب عليه اللون الغنائي على حين اتجه الثاني إلى الشعر النضالي الملتزم.
ولعل من أبرز ممثلي المنزع الأول محيي الدين خريف الذي تمتزج في شعره الغنائية الرومنطيقية بالنفس الصوفي و التأمل الفلسفي في منزلة الإنسان و استلهام الرموز من التراث وزبيدة بشير  أول شاعرة تونسية يصدر لها ديوان و قد جاء  بعنوان حنين (1968). أما الخط الثاني فقد اختار السير فيه خاصة الميداني بن صالح (1929-2006) و أحمد القديدي اقتفاء لآثار منور صمادح. فاعتنقا مفهوما للشعر مبسطا قوامه الوضوح لغاية الإبلاغ. فهجرا، طبقا لذلك، عمود الشعر و غريب اللفظ و المعقد من المجاز، مفضلين عليه الشعر الحر و اللفظ الشائع و الصور البسيطة اليسيرة الفهم. و تفرغا بكليتهما لمعالجة قضايا الكادحين و نقل همومهم وتطلـعاتهم و تصوير نضالهم اليومي من أجل تحقيق الازدهار للوطن و التغني بالقيم الاشتراكية كالتعاضد و التعاون والروح الغيرية و التضحية في سبيل الآخرين.
وتلوح تجربة نور الدين صمود في صلب هذا الجيل حالة فريدة لأنه كتب في كل الأغراض القديمة والجديدة وفي اللونين الإيقاعيين العمودي والحر.
وهكذا فإن الشعراء الذين آثروا التجديد في هذه الفترة واصل شق منهم تعميق البحث في الصورة تأسيا بدعوة الشابي  إلى شحذ ملكة الخيال عند الشاعر العربي المعاصر، على حين اختار شق آخر متابعته في اللون الوطني الملتزم  إن بأسلوب مختلف.
من أواخر الستينات  إلى آخر الثمانينات :
هذه الفترة قد يصدق عليها تسمية مرحلة الغليان. فقد ظهرت فيها عدة حركات و اتجاهات شعرية جديدة اتخذ معظمها صيغة التكتل على هيئة مجموعات ترفع كل مجموعة منها شعارا و تتبنى مفهوما معينا لماهية الشعر ووظيفته. و من أبرز هذه المجموعات  ما أطلق عليه التسميات التالية: الشعر الطليعي، الأخلاء، الشعر المنجمي، الشعر الصوفي الكوني القيرواني، المنحى الواقعي، الريح الإبداعية الثالثة، الشعر القومي.قد يكون من الجائز تقسيم هذه الفترة إلى مرحلتين متباينتين: الأولى قصيرة لكن شديدة الغليان تمتد من سنة 1968 إلى سنة 1972 وهي توافق إجمالا السنوات التي ظهرت فيها حركة الطليعة. والأخرى تغطي المسافة الزمنية التي تمتد من توقف الطليعة إلى نهاية السبعينات .
فتسمية الشعر الطليعي قد أطلقت على مجموعة من المحاولات الشعرية الشبابية دارت حول سؤال وحيد من أسئلة الشعر العربي  لكن بالغ الأهمية وهو سؤال الإيقاع و اشترك أصحابها في  الخروج عن الأوزان الخليلية كلـــــيا أو جزئيا. و الملاحظ في هذا الشأن  أن أول  شاعر تونسي كتب في الشعر المنثور هو الشابي. و ذلك في نصوص قليلة نشرها بجريدة “النهضة” في نهاية العشرينات و مجلة “العالم الأدبي” في بداية الثلاثينات. و من ثمة فإن هذا التيار يمكن اعتباره امتدادا لتجربة محلية دون أن يلغي ذلك الاعتراف بوجود مؤثرات خارجيـــة غربيـــــــة أو عربية مشرقية.
و لقد ضمت هذه الموجة، مع ذلك، اتجاهات متمايزة أبرزها غير العمودي والحر والقصيدة المضادة واللوحة الشعرية والكتابة الشاملة. فالتسمية “غير العمودي والحر” قد وضعتها مجلة “الفكر” سنة 1969، مطلقة إياها على بعض المحاولات الشبابية الرامية إلى تطوير موسيقى الشعر العربي اللفظية بإحلال أنغام جديدة متنوعة محل الأنغام الرتيبة المتولدة عـن تتابـــع التفعيلات. و تتحقق هذه الأنغام باستخدام التناسب التركيبي بين كل بيتين  أو أكثر من ألأبيات المتتابعة في القصيدة الواحدة و تطعيم النص بإيقاعات مستمدة من المحيط الصوتي كنداءات الباعة وضجيج الشارع  ومن  اللغة الدارجة كإنهاء كل بيت بمقطع متناهي الطول .على أنه لابد من الإشارة إلى أن هذا الأسلوب في الكتابة قد ظهر لأول مرة في محاولات لمحمد الحبيب الزناد نشرت سنة 1967 بمجلة “الشعب” أي قبل ظهور التسمية والتنظير سنة 1969. وقد التحقت به  في كتابة هذا اللون فضيلة الشابي ثم انضم إليهما الطاهر الهمامي (1947 – 2009) سنة 1969  ثم أحمد الحباشة ثم حمادي التهامي الكار ثم أحمد القديدي.
أما مصطلح “القصيدة المضادة ” فقد ظهر أيضا سنة 1969. لكن النصوص التي أطلق عليها بدأت تنشر منذ سنة 1963 بمجلة “الفكر”. و لم يكتب تحت هذا الشعار إلا شاعر واحد هو محمد مصمولي. و الفرق بين القصيدة المضادة و قصيدة غير العمودي و الحر هو أن الأولى تقوم على إيقاع الصورة بدلا من الإيقاع الصوتي.
وأما مصطلح “اللوحة الشعرية”  فهو ينطبق على ضرب من االكتابة الشعرية النثرية  مخصوص انفرد به هو محمود التونسي (1944-2001 الذي  نشر نصوصه في هذا اللون  تحت شعار “شعر”.  وهو يتأسس على فكرة رسم لوحة بالكلمات بدلا من الخطوط  و الأشكال و الألوان لكن رسما تجريديا أو تعبيريا لا تشخيصيا. و قد دفعه على خوض غمار هذه التجربة  أنه كان  في الوقت نفسه رساما.
و أما “الكتابة الشاملة ” فهي تقوم على مبدإ هدم ما بين الأجناس الأدبية الفنية من  حدود. و لعل سمير العيادي (1947-2008)  أكثر أدباء الطليعة استخداما لهذه الطريقة. وقد وظفها في كتابة نصوص نشرها تحت شعار “شعر”.هذه المحاولات المتنوعة التي سعى أصحابها إلى الاستعاضة عن الأوزان الخليلية بإيقاعات صوتية من جنس آخر أو بإيقاعات ذهنية أو بالمزج بين مقومات أجناس أدبية مختلفة قد استمرت  إلى أواخر ديسمبر 1972. وهو تاريخ توقف حركة الطليعة و تشتت عناصرها الذين توقف بعضهم عن الكتابة  إما نهائيا و إما لفترة طويلة على حين  واصل بعضهم الآخر التحرك على انفراد في الساحة الثقافية.
و مع ذلك فإن بعض الشعراء الشبان  ممن ظهروا بعد توقفها قد  تأثروا  بها فنسجوا على منوالها منهم خاصة مختار اللغماني (1952 – 1976) و نور الدين عزيزة وسوف عبيد و محمد أحمد القابسي و عبد الحميد خريف (1950- 2004).لكن الطليعة  على قوة حضورها و ضخامة حجمها لم تستقطب كل الشعراء الشبان المجددين في تلك الفترة بل بقي عدد منهم خارجها. ويمكن توزيعهم على اتجاهات مختلفة رغم تحركهم فرديا في بعض الأحيان. و هذه الاتجاهات خمسة  هي: الشعر النضالي الملتزم وشعر الفن للفن والشعر التوفيقي والشعر العردارج والشعر الواقعي الاشتراكي.
فالشعر النضالي الملتزم هو امتداد للاتجاه الذي اختار السير فيه الميداني بن صالح وأحمد القديدي في الستينات. و أبرز ممثليه  ممن انشغلوا بالقضايا العربية محمد المنصف الوهايبي و خالد التومي و عمر حميدة و محمد الخالدي. وأما شعر الفن للفن فينطبق خاصة على ما كتبه  إذذاك سويلمي بوجمعة ورياض المرزوقي. وهو يدور حول تصوير هموم الذات الفردية.
و أما الشعر التوفيقي فقد دعا إليه وكتب فيه الهادي عبد الملك و عبد الرحمان الكبلوطي وعامر بوترعة (1948 -1998). وهو يتجسم في الجمع بين طرق الأغراض الوجدانية ومعالجة القضايا النضالية.
و أما الشعر العردارج فقد اختص بالكتابة فيه صالح القرمادي (1933 – 1982). ومرد تسميته بهذا اللفظ المنحوت إلى طبيعة اللغة التي استخدمها فيه ممثله. وهي لغة وسطى بين الفصحى والدارجة التونسية مع هدم أركان البلاغة التراثية فيها.
و أما الشعر الواقعي الاشتراكي  فقد  مارس الكتابة فيه محمد المنصف الوهايبي و عمار منصور.وهو لون من شعر التفعيلة يقوم على تصوير واقع الكادح اليومي ومعالجة قضاياه المصيرية بلغة عربية فصيحة مبسطة مطعمة بألفاظ من الدارجة وأمثال شعبية.
والحاصل مما جاءت به هذه المرحلة أن الشعراء الجدد الذين برزوا فيها قد ذهبوا أكثر من سابقيهم في مساءلة مقومات القصيدة العربية من صور وإيقاع وإيحاء ولغة وأغراض. فوضعوها كلها في موضع تساؤل، سعيا منهم إلى نفض غبار الماضي عنها  وتطويعها لاكتساب أكثر ما يمكن من النجاعة في أداء المعاني الجديدة التي يرومون الإفصاح عنها.
أما المرحلة الثانية من فترة الغليان فقد اتسمت أولا بتوالي بعض السنوات التي قد يصح نعتها بالسنوات العجاف. وذلك  من جراء اتباع السلطة آنذاك سياسة جديدة تمنح الأولوية للاقتصاديات على حساب الثقافة. فتوقف منبر مهم هو الملحق الثقافي لجريدة “العمل” و تقلص عدد المنشورات الأدبية ومنها خاصة  المجاميع الشعرية. فازدهر الشعر الشفوي في النوادي و المقاهي الأدبية. و بدأت تتشكل شيئا فشيئا حركات شعرية جديدة لم تفتأ أن أعلنت عن نفسها في نهاية السبعينات  أو لم تعلن عن نفسها لكن أضحى لها حضور محسوس وتوجه فني وفكري واضح. وهذه الحركات هي شعر المناجم وشعر الأخلاء والمنحى الواقعي والشعر الكوني الصوفي القيرواني والريح الإبداعية الثالثة والشعر القومي العروبي والشعر الوجداني والشعر العمالي.
فشعر المناجم ظهر بمنطقة المناجم في الجنوب الغربي التونسي (المتلوي، الرديف، أم العرائس). و قد ارتكز على هم واحد هو تصوير معاناة العامل المنجمي و ما يكابده من مشاق و ما يتربص به من أخطار أثناء أدائه لعمله. لذلك لم تحدد للقصيدة التي تتضمن مثل هذا التصوير مواصفات فنية. ومن أبرز الشعراء الذين نسبوا أو انتسبوا إلى هذا الاتجاه أحمد المختار الهادي و سالم الشعبانى و محمد عمار شعابنية و محمد الخالدي و محمد العائش القوتي  وحسن بن عبد الله.
وأما شعر الأخلاء فقد تجسد في عدد وفير من المجاميع صدرت بدءا من أواخر السبعينات عن دار “الأخلاء”. وهو يؤلف في تقديرنا اتجاها أدبيا قام على مبدأين أساسيين هما: الأولوية للشكل الفني دون اعتبار لنوعيته (عمودي، حر، موزون، غير موزون) و الليبرالية في مستوى الأغراض و الموضوعات.
و من المجموعات الكثيرة التي أصدرتها الدار و التي يطغى فيها الكم على الكيف يمكن أن نصطفي بعض العناوين لعدد قليل من الشعراء  نذكر منهم  يوسف رزوقة  ومحمد علي الهاني و  محمد الأمين الشريف واحميدة الصولي  والبشير المشرقي و الصادق شرف و محمد الطاهر الحضري و المولدي فروج وعبد الله البلطي وعبد الله مالك القاسمي.
وأما المنحى الواقعي فقد ظهر في أثناء الملتقى الأول للشعر التونسي الحديث الذي التأم بالمركز الثقافي بالحمامات في جويلية 1982 و جاء التعبير عنه في بيان وقعه الطاهر الهمامي و سميرة الكسراوي و محمد معالي.و يستمد هذا الاتجاه مقوماته الفكرية و الفنية صراحة من الواقعية الاشتراكية و يدعو إلى النضال على واجهة الفن إلى جانب قوى الحياة و التقدم في المجتمع منكرا أن تكون الجمالية في الشعر و الفن قيمة مطلقة.
وأما الشعر الكوني الصوفي القيرواني فقد أسسه  شاعران هما محمد الغزي و محمد المنصف الوهايبي. وقد حدد هدفه، على حد ما جاء في تصريح للوهايبي أدلى به إلى مجلة “الأقلام” العراقية (العدد 12 ،1980)، في “خلق فعالية جمالية ثورية لا يكون الشعر بمقتضاها تابعا للفعل لأنه في حد ذاته فعل” معرفا الشعر الحقيقي بأنه “الشعر الذي يستوعب لحظته التاريخية لكنه في الوقت نفسه يكون قادرا على الإفلات منها ليتنزل في منزلة الملحمة التاريخية الخالدة “.في قصيدة “البستان” لمحمد الغزي الواردة ضمن مجموعته كتاب الجمر كتاب الماء(1982) تعترضنا فلسفة كاملة في الحياة شبيهة بفلسفة عمر الخيام. فالشاعر يتخذ من الإقبال على الملاذ الحسية هدفا لذاته و لا يروم بدلا منها الفوز بالآخرة  و في هذا الإطار يمضي في تحليل معمق لنفسيته، مصورا تمزقها بين إغراءات  الهو و نواهي الأنا الأعلى. لكن طرافة هذا النص تكمن في أسلوبه. فمحمد الغزي يطوع لغة المتصوفة لإحداث ألوان مربكة من العدول كتمثيل الأرض بالحانة والبشر على أديمها بالأكواب أو تشبيه القلب بالشحاذ. وهو ما قد يؤكد أن البنية العميقة لقصيدة الغزي بنية نفسية واقعية وأن الصوفية فيها جو شاعري و أسلوب ليس إلا.
و كذلك شأن محمد  منصف الوهايبي في قصيدته الموسومة ب”في منزل السهر وردي” التي أودعها مجموعته ألواح (1982) حيث يقحم القارئ منذ البداية في جو  صوفي باتخاذه محورا للقصيدة شخصية الفيلسوف السهروردي صاحب كتابي حكمة الإشراق و هياكل النور الذي أعدم في القرن السادس الهجري بتهمة الخروج على الدين. و يستثمر أسلوب المتصوفة في استنطاق الكائنات بلغة القلب لا بلغة العقل لإحداث مناخ شاعري  تتكثف فيه الإيحاءات و تتضاءل الإحالات إلى الواقع .
ويقرب من هذا الاتجاه علي اللواتي في مجموعته أخبار البئر المعطلة (1986) التي يميل فيها  إلى تكثيف الصور الشديدة التجريد مع شحنها بالدلالات الإيحائية المحيلة على التراث  والعصر الحديث في آن واحد.
و أما الريح الإبداعية الثالثة فقد أطلقت على اتجاه تشكل أيضا في أثناء الملتقى الأول للشعر بالحمامات و ضم الشعراء الذين خرجوا على المنحى الواقعي و الشعر الصوفي القيرواني. و أبرزهم  منصف المزغني  وآدم فتحي و سوف عبيد  و محمد بن صالح و محمد العوني . ويمكن أن نلحق بهذا الاتجاه محمد الصغير أولاد أحمد  .فقد أعلن هؤلاء رفضهم  أن تكون  الايدولوجيا  قادرة وحدها  على صنع الفنان و أن يكون استلهام التراث شرطا أساسيا للإبداع بل عدوا الإبداع متوقفا على تحقيق المعادلة الصعبة بين الجودة الفنية والرؤية العميقة المتفردة. و من ثمة قدموا اتجاههم على أنه النقيض الايجابي للاتجاهين السابقين.
و أما الشعر القومي  الذي انشغل ممثلوه في هذه الفترة بالقضايا العربية  فهو امتداد  لنزعة  وجدت منذ عهد ما قبل الاستقلال تجسدت في  عدة قصائد عولجت فيها قضيتا الوحدة الوحدة العربية وفلسطين. ومن أبرز الشعراء الذين  أهمتهم هذه القضايا محمد زيد و مصطفى الحبيب بحري و علي شلفوح وخالد التومي و الطيب الرياحي و عبد السلام لصيلع و محمد خالدي و عمر حميدة وهشام بوقمرة وبلقاسم الشابي .ولكن محاولات هؤلاء و غيرهم  ظلت دائما فردية متفرقة، إلا أن السياسة العربية التي اختارت اتباعها الدولة التونسية  في  آخر الثمانننات و التي تحولت تونس بمقتضاها  شيئا فشيئا إلى عاصمة للعالم العربي باحتضانها مقري الجامعة العربية  و المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية أذكت تلك  النزعة  في نفوس عدد من الشعراء الجدد. فأصدروا في وقت واحد تقريبا مجموعات تفصح عن نفس قومي قوي صريح منهم حسين العوري وعلي دب وبوجمعة الدنداني و عبد المجيد الجمني.
وفي هذه الفترة نفسها اختار بعض الشعراء الانكباب على تصوير همومهم الذاتية، مؤثرين التحرك الفردي على الانتماء إلى كتل معينة منهم خاصة عبد الله مالك القاسمي ومحمد البقلوطي ومحمد رضا الجلالي ومحجوب العيـــاري و نجاة العدواني .وأما الشعر العمالي فقد تجسم في مجموعة من القصائد نشرها الشاعر محفوظ الجراحي وصور فيها معاناة الطبقة الشغيلة  وسائر الفئات الشعبية و نضالها اليومي من أجل نيل حقوقها والحفاظ على كرامتها البشرية.ولئن لم تحمل هذه المرحلة، كما نرى، تصورات جديدة كل الجدة للكتابة الشعرية فقد مكنت عددا من الشعراء الذين ظهروا في المرحلة السابقة من توسيع تجاربهم و تعميقها. ومن ثمة فلا عجب في أن نجد أولئك الشعراء هم الأقوى حضورا فيها إلى جانب شعراء الجيل الأول بعد الاستقلال.
من أواخر الثمانينات إلى اليوم :
هذه الفترة سماها  بعض الصحافيين فترة الانفجار الشعري. وذلك لصدور قرابة الألف مجموعة شعرية فيها  جلها باكورات نشرها أصحابها على نفقتهم الخاصة أو بتقاسم تكاليف النشر مع بعض الناشرين. لهذا رجحت كفة الغث وانحصرت الجودة في نسبة محدودة من المجاميع لا تصل إلى عشر المنشور.
و إذا اكتفينا بالنظر إلى الأسماء الأقوى حضورا في الأمسيات و المهرجانات أو التي تثير محاولاتها الجدل في الساحة الأدبية تبدو لنا ملامح المشهد الشعري في هذه الفترة كالآتي:أ‌- استمرار عطاء عدد من رموز الخمسينات و الستينات و السبعينات و الثمانينات منهم محيي الدين خريف والشاذلي زوكار ونور الدين صمود وجعفر ماجد وسويلمي بوجمعة و فضيلة الشابي و الطاهر الهمامي و منصف الوهايبي ومحمد عمار شعابنية و محمد الغزي و محمد الخالدي و احميدة الصولي والمولدي فروج والبشير المشرقي ويوسف رزوقة و سوف عبيد و آدم فتحي  و محمد الصغير أولاد أحمد و عبد الله مالك القاسمي و منصف المزغني وحسين العوري  و محمد الأمين الشريف ومحمد الطاهر الحضري و حسين القهواجي و عبد الله البلطي والتهامي الهاني وسالم المساهلي و علالة القنوني و منور عزيزي والحبيب الهمامي وكمال قداوين.
ب‌- عودة شعراء كان لهم حضور قبل هذه الفترة منهم جميلة الماجري و زبيدة بشير.
ت‌-  إصدار شعراء كان لهم حضور قبل هذه الفترة مجاميعهم لأول مرة منهم  حسين القهواجي وعبد العزيز الحاجي و فتحي النصري و عبد السلام لصيلع و نجاة الورغي و محمد الهاشمي بلوزة  وجمال الدين حشاد وسليم دولة  وسالم المساهلي  وبلقاسم المرزوقي والسيد السالك ومحمد الهادي بوقرة.و مما تجدر ملاحظته هنا، بوجه خاص، انحلال كل الحركات التي تشكلت في الفترات السابقة  واتجاه الشعراء الذين كانوا يتحركون جماعيا إلى العمل الفردي. فعوضت الجوقات، على حد  تعبير الشاعر منصف المزغني، ب”العزف المنفرد”.
ث‌- ظهور جيل جديد من الشعراء شاعت تسميتهم ب “شعراء التسعينات”. و لئن لم يتكتل هؤلاء في شكل حركة فإن  نصوصهم تشترك في سمة غالبة هي طابعها الإشكالي . فهي نصوص تحكمها الأسئلة  من جهات المعاني و الأغراض و القيم الجمالية والصياغة الفنية. فالذات الشاعرة تلوح من خلال خطابها حائرة قلقة مهمومة. فالوجود عندها سؤال وطبيعة المجتمع سؤال و الشكل الفني سؤال. ولعل لطبيعة المرحلة المتولدة عن انهيار الإيديولوجيات دخلا في نشوء هذا التوجه و تناميه.
ومن أبرز شعراء هذا الجيل محمد الهادي الجزيري و حافظ محفوظ و شمس الدين العوني و عادل المعــــيزي و فوزية العلوي و آمال موسى و الشاذلي القرواشي وعادل الجريدي و عبد القادر بن سعيد و عادل نصــــــــــير و فاطمة بن محمود و باسط بن حسن و نزار شقرون والطيب شلبي و نور الدين بالطيب و فاطمة عكاشة ورحيم الجماعي و عبد الفتاح بن حمودة و عبد الوهاب  الملوح  ومجدي بن عيسى و الهادي الدبابي ونور الدين الشمنقي و سامي البيداني و الهادي التليلي و مراد العمدوني  وعز الدين العامري ونصر سامي وجلال الحبيب  ومحمد بالحاج علي و محمد النجار وعبد الجبار العش والصحبي العلوي وجمال الصليعي وجلال باباي ورياض الشرايطي وإيمان عمارة  و فضيلة مسعي  و عادل الهمامي و عادل بوعقة وعبد الكريم الخالقي وسمير العبدلي  وجلال باباي وصلاح الدين الحمادي وساسي جبيل وسامي السنوسي وعزالدين الدين بن محمود و خيرالدين الشابي و محمد السبوعي.
و يمكن أن نلحق بهم بعض الأصوات التي ظهرت في بداية الألفية الثالثة منها  فاطمة بن فضيلة وسمير السحيمي ومحمد بوحوش وسلوى الرابحي وشوقي العنيزي  ومنذر العيني و خالد الماجري والمولدي الشعباني ومبروك السياري و علي مبزعية و خالد درويش وهشام النقاطي و سعيف علي الظريف وضحى بن طاهر وخالد الهداجي ووليد الزريبي وميلاد فائزة وخالد رجب وزهور العربي وضحى بوترعة ومعز العكائشي وعائشة المؤدب والسيد بوفايد  وسامي الذيبي والبشير موسى .

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*