إيمَاءةُ الأعْمَى بِهَا شَللٌ.. : شعر: عبد اللّطيف رعري – شاعر مغربيّ مقيم بمونتبولي بفرنسا

عبد اللّطيف رعري

أنا الإنسانُ…

قدري منذُ العدَمِ أن ألُفَ العالمَ في قبضتي

ألبسُ الليلَ….

أتقنَّعُ سَاحِرةً من السُودانِ

تَطُوفُ العالمَ حَولنا بمكنَسةِ المَوتِ

 تهيَّجَ نِصفُها فِي التُّرابِ ..

مِن

فرْطِ

 الحكِّ

أرْحلُ بأصابعَ مشئومةٍ إلى صَالاتِ الفَزعِ

أنقرُ خواءَ السَّماءِ

 ألطُمُ الصَّخرَ بالصَّخرِ

 فأعلقُ الشرَاراتِ الحَامِياتِ  فِي معقلِ الصُّدفِ

 لأترِعَ المدى أبوابًا …

 بابًا يؤمُّهُ الموتُ

  و بابًا لنَثرِ الرّمادِ على الأحْياءِ

 أغْنياتِي بتمَامِ الحُزنِ…

 آهَاتٌ …

وندَمٌ..

شَكْوى…وعدمُ أملٍ…

 موَّالٌ أحمَقُ كَهديرِ الرَّعدِ ….

بحَّةٌ تدقُّ كُلاَّب الألمِ فِي صَدرٍ مَكلُومٍ

وكُورَالٌ يُرَدِّدُ أنينًا كالرِّيحِ

 أستحِثُُّ الخُطى لأتحسسَّ  المكانَ

  أزْرعُ الأمَانَ

 في قلعةِ العُميانِ 

كُلُّ الأشياءِ تحترِقُ فوق قضيبٍ من حديدٍ

 كُلِّ الألوَانِ

 تتنفّسُ منْ وَراءِ عِباءةِ الشَّمسِ

 فِي صَمتٍ مُدهشٍ

  الزمنُ يَمرُّ بِلا أثرٍ

 وَكأنهُ يختلسُ حُلّة عَرُوسٍ

 اعتادَتِ النَّومَ باكِرًا

  اللَّيلُ صَفحةٌ أبرَدُ مِن النَّدى

  يتهَيّأُ للانتِحارِ

منْ أعلَى حُلكةٍ نصَبها القدرُ

 والنَّهارُ خِرقةٌ مُحتشِمةٌ

 علَى وَجهِ امْرأة سَافلةٍ تَفترِشُها لفِعلتِهَا

 كُلمَّا دَقَّ بَابهَا نخَّالٌ

 هنَا فِي القلْعةِ

  الليلُ  مُعاقٌ….

  الليلُ وَحشٌ أكلَ أطرافَهُ

 في ليلةِ كان فيها الجاني…

هَذا

اللَّيلُ

الذِّي لا يتَرقبُ نهَارًا

 مُقعدٌ ….

 سَيلٌ كاسِحٌ

 ينقشُ بازْميلِ الوقتِ على جُلودِ العُميانِ

 سُننَ المواجعِ

نُدُوبَ تحرَّشتْ بيدِ لْوِيسْ برايْ 

 فنمَّلتْهَا

 وجَاء الجَوابُ

 صرْخةً….

 صرْخةُ وجعٍ …

صرْخة ألمٍ …

صرْخةَ غَريقٍ حَملهُ النَّهرُ إلى أبعدَ منَ بعيدٍ

صرخة طريدٍ

رأى العُيونَ تكتفِي بالتَّقرِيدِ

 صَرخة حَبيسٍ لمَّا أحسَّ أنَّ يومَه شَريدٌ..

تمسَّكَ بِحَديدِ زِنزَانتِهِ

 بَاكِيًا …

عَارِيًا …

صَرخَة

 هذَا

 الضرِيرِ

 الذِّي شَكلَّ الألوانَ

كُلَّها بأسْمائِها

فلمَّا أفَاقَ علَى نُباحِ الكِلابِ

 وجَدَ الَّظلامَ  يعْقبُ الظَّلامَ

 والعُيونُ تُسَابِقهُ بلَا جدْوى…

هَذا الضرِيرُ الذِّي أزَاحَ الغُمَّةَ منْ قلبِهِ

وأطلَّ من شُرفةِ العُمرِ

 فانهَالتْ علَيهِ الألسِنةُ بالفُحشِ  …..

فأفلَ بنِصفِ ابتسَامةٍ يلْعنُ ظَلامَهُ

آهٍ لهَذا الأعمَى فِي دُنيا العُمْيانِ

كَم منْ شجَرةٍ فِي الغابةِ

 ستُمنحُهُ عَصاةً للطَّريقِ عنْد كُلِّ  هياجٍ …؟

كَم مِن عَثْرةٍ فِي البَطحَاء ستُعلِّمهُ المشيّ وَحيدًا

دُون حَاجةٍ لظلِّ الحَائطِ ….

دُون حَاجةٍ لأكْتافٍ مُرهَلةٍ

دُونَ حَاجةٍ لعُكازةٍ يَنخُرُها التَّسوُّسُ ….

للعكّازِ/ الفخِّ

 آه لهَذا الأعمَى فِي دُنيا العُمْيانِ

يُوضِّبُ أيّامهُ مَشيًا حتَّى يقْطعَ الأدْغالَ

رَأسُه فِي العَلْياءِ

 يرْعَى خَواءَ الأمكِنةِ باستِعلاءٍ

 لينجُوَ من  بَطشْ الصّولةِ

 بالإصْغاءِ يَشدُّ العَالمَ

الّليلُ خُيُوطٌ تسرَّبت مِن كُبَّة المنْسياتِ

  والتصقَت بوَحلٍ أسودَ

فأُجبرَ رعاَيا  القلعةِ علَى فَكِّها

  بأسْنانهِم…

 بأظافِرهِم…

 بايمَاءةِ النَّجدة التِّي لا تُرَى

فِي القلعةِ

 يتَحركُ العُميانُ علُى شكلِ رُوبُوهاتٍ

فاحتِمالُ

اصْطدامِ الرؤوسِ

 وارِدٌ

الثقةُ فِي الجُدرانِ….

 فِي عُكازة بلاستِيكيّةٍ قابلَة للثَّني علَى ثلاثٍ

  شاقوليةِ  المنحَى

 معقُوفةِ الرأس …

الصّمتُ يخترقُ الهوَّاةَ

 يصْنعُ فجاجًا تسلكُها العُمْيانُ

 العُميانُ دائمًا في يقظة الزوّارِ

 ليتجنبُوا الانْحِرافَ عَن جَادَّة الطَّريقِ

 العُمْيان طِرازٌ مُكتملٌ فِي المشْيِّ

 فِي نَسجِ التراكُماتِ

هذا الأعمَى انا….

 في قلعةِ العُميانِ

 أحصُرُ شُرُودَ الآجَالِ فِي ثقُبٍ

 يمْتدُ إلى ثُقبٍ أخرَ

 أُعرِّي ببصِيرتِي

كُلَّ مُغرِياتٍ تنمُّ عنْ غَدرٍ آتٍ فِي الغِيابِ

لا أعْرفُ انزِواءَة للوَراءِ عَصَاتِي بِعينٍ وَاحِدةٍ

آهٍ هَذا الأعمَى انأ….

 مُحتارٌ فِي قلعتِي ..

 تُرَى منْ ألهَمنِي سَاعَة يأتِي فِيهَا

 العزَاءُ مِن عَدوٍ…؟

من أفاض الجامَ الحَزِين

 وأوْمأ لِي بجِدعِ شَجَرةٍ

عرَّاها الخَريفُ …؟

من أفشَى لِي تارِيخَ المَعْصِياتِ

 وصُدورَ أحْكامِ الإعْدامِ….؟

من أسرَّ بينَ الأنامِ أني أحْترِقُ

كلَّمَا مرَّ

 عَليَّ

طِفلٌ

 يتّمتِ الحَربُ أباهُ ….؟

أنا الإنْسَانُ…

قدري مُنذُ ألفِ عامٍ

أنْ أحكُمَ قلعةَ العُميانِ وأزرَعَ الأمَان………

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*