حوار مع الرّسّام السّوريّ أمير عبّاد الشّمسِ في صالةِ هيشونَ للفنونِ : أجرته نور نديم عمران – اللاّذقيّة – سورية

أمير عبّاد الشّمسِ بريشته

نور نديم عمران

 

زهرة عباد الشمس …الزهرة المفضلة عند كثير من الشعوب والحضارات ، تشير إلى اختلاف الرغبات والأماني ،ويظنّ القدامى أن لأبخرتها تأثيرا يطرد الشياطين.. هذه الزهرة المبهجة للعين والقلب معاً لفتت الفنان السوري غورو سليمان ،فكانت هدية من السماء له حين طلب إليه والدهُ أن يشاركهُ في زراعتها عندما كان صغيرا ً ، فتعلق بها ورسمها وقدّمها إلى جانب ورود بريَّة أخرى من ريفِ مدينتهِ الحسكة في معارضٍ جماعيَّة وفرديَّة كثيرةٍ؛كان آخرها في صالة هيشون في اللاّذقيةِ مع بداية شهر تشرين الثاني، حيث لقيناهُ في جلسةٍ حالمةٍ ونحن محاطون بالورودِ والموسيقا فكان الحوار الممتع التالي:

س : ثمّة فرق بين اسمِكَ الكردي (غورو ) الذي يعني الذئب و لقبك أمير عباد الشمس …ففي الأول قوة وفي الثاني روحانية…أين تجد نفسك بين الاثنين؟

ج:  في عاداتنا الكرديّة القديمة حين يتوفى أكثر من طفل للعائلةِ يصطادون ذئباً ويضعونَ المولودَ الجديد في فمِهِ لثلاثِ مراتٍ حتى يكتسب القوة ولا يموت .. وهذا ما حَصلَ لي لذا أسماني أهلي الذئب لأكون قويّاً فكنتُ قويَّ الإرادة مثله وفياً لمحبوبةٍ واحدةٍ كما يفعل ، لكني أحبُ لقبي أمير عبادِ الشمسِ أكثر لأنَّ هذهِ الزهرةِ تمثلني في اتجاهها نحو الشمس دوماً .

س : هل تأثرت بفنانين عالميين في رسم هذه الزهرة كفان كوخ مثلا  أم أنّ الأمر جاءَ وليدَ المصادفةِ ؟

ج : لا لم أتأثر بأحد بل إني حين رسمتُ هذه الزهرةِ لم أكن قد سمعتُ في حياتي بهذا الأمر فلقد أمضيتُ مراحلَ عمرية الأولى في ريفٍ قاسٍ على الرغمِ من جمالهِ في قريةٍ نائيةٍ.

س :وكيف تفتحتْ موهبتك وأزهرتْ في ذلك الريفِ القاسي ؟

ج : لمْ يشجعني أحد مِنْ مُحيطي إلى أنْ انتقلتُ إلى مدينةِ الدرباسية حيث تلقيْتُ تعليمي الثانوي ، ولفتَتْ مَوهبتي بعضَ المدرسين الوافدين من الساحلِ السوري ، فشجعوني وحفزوني بزيادةِ درجاتِ الموادِ التي لا أجيدها لأُثابر على مَوهبتي في الرسمِ فشاركتُ في معارض مدرسيّة ، وبدأتُ برسمِ بورتريهات لفنانينَ مشهورين كنجلاء فتحي وعبد الحليم حافظ وغيرهما وظللتُ أرسمُ بهذهِ الطريقةِ لمدةِ خمسَ عشرةَ سنة

 س : متى ستخرجُ من حقولِكَ البريَّة إلى الشوارعِ لتنقل ما فيها وتقدِّمه لمحبي فنِّك ؟

ج: الرسم عندي حالة فلا يمكنني أن ارسم في أي لحظة بل يرتبط الأمر بحالةِ حبٍ أو حزنٍ أو فرحٍ ..أعشق الموسيقى التي ترافِقُ محطات حياتي كلها فأنا أتأثر كثيراً بكلماتِ الأغنيةِ التي قد أعيشها وأتمثلها ثم أنقلُ أحاسيسي ألواناً فوق سطوحِ اللوحاتِ ، ولأني لا أحبُ العمل دون تخطيط مسبق لذا لم أخرج من حقولِ البريّةِ بعد ، أريدُ أن أعطيها حقها ، وأنا أفكر مستقبلاً في الإعداد لأكثرَ من معرضٍ عن المرأةِ ، فمنْ حق المرأة أن تنالَ حصتها من الاهتمام والبحثِ

س : هل اللوحة ثابتة بالنسبةِ إليك ،أم  هل هي عرضةٌ للتطور دائماً ؟

ج: لا ليست ثابتة فأنا أظلُّ أضيفُ وأُعدِّلُ عليها حتى أشعر بأنها اكتملتْ.

س : لمْ نجد قصّة متسلسلة في أعمالِك على الرغمِ مِن أنّك مازلتَ تدور في فلكِ زهرةِ عبادِ الشمسِ ؟

ج : كل لوحةٍ لديّ هي حالة خاصة في ذاتها ، يمكن تلمسها والشعور بها وهي مليئة بالرموزِ والإيحاءاتِ .

س : من يتابِعُ لوحاتِكَ يَجدُ اللون البنفسجي طاغٍيا فيها هل هو لونك المفضل أم هل  ثمّة ألوان أخرى ؟

ج : البنفسج هو لونٌ يخدمني في جميع حالاتي فمن خلاله أعبِّرُ عن الحزنِ أو عن الفرحِ وكذلك أحبُ اللون الذهبيّ إنهُ لون القمح .

س :ّ ليس خافياً على أحدٍ نبرة الحُزنِ في صوتِكَ وفي ألوانِك ماهو مصدر هذا الحزن ؟

ج: حُزني ينبعُ من معاناتي لأكثرَ من خمسينَ سنة للحصولِ على جنسيّتِي السورية ، فالمرأة التي تلد في طائرةٍ فوق أجواء بلدٍ ما تحصل على جنسيّة ذلك البلد لطفلها أما أنا فسوري الهوى والولادة والأب والجد ولم أحصل على الجنسيّة السورية إلا بعد نضالٍ وكفاحٍ وأنا مسرورٌ بتلك النتيجة التي حققتها أخيراً فسوريا في دمي وفي فنّي وفي روحي . كلمة أخيرة لقد رحلتُ عن قريتي(سفر) بجسدي منذ سبع وثلاثين سنة لكن روحي بقيت فيها إلى الآن ولم أشعر بالسعادةِ منذ ذلك الحين إلى أن قَدمتُ إلى الساحلِ السوريِّ الذي غمرني ناسه بطيب محبتهم وحفاوتهم وفي قائمة هؤلاء الأستاذ أحمد موسى مدير الصالة الذي فتح لي قلبه وصالته وبيته .

وكما استقبلنا ابن ريف الحسكة بباقةٍ من زهورِ عبادِ الشمس والأقحوان ،ودّعنا بباقةٍ من ورودِ محبته .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*