الفنُّ التّشكيليُّ في عيونِ أصحابِهِ : تحقيق : نور نديم عمران – اللاّذقيّة – سورية

نور نديم عمران


الفنّ رسالة إنسانيّة وظيفته الارتقاء بالحسّ الإنسانيّ والذّوق الجماليّ عند المتلقّي،وللفنّ وظيفة تربويّة .فهو يهذّب النّفس كما أنّ له وظيفة جماليّة لكونه يتدخّل في معظم نواحي الحياة البشريّة فلا  يمكن للإنسان الاستغناء عنه مهما بلغ من التطوّر الصناعيّ والتقنيّ ..

حول دور الفنّ التشكيليّ في ظل العصر الراهن بأزماته السياسية وتطوّراته التّقنية كانت لنا محطّات متنوّعة توقّفنا فيها مع عدد من الفنانين العرب عبّروا فيها عن قناعاتهم بحقيقة هذا الدور…فالفنان السوريّ مؤيّد كنعان يعتقد أن الفنّ التشكيليّ، لم يخرج عن كونه سلوك الروح نحو الجمال الإنساني عبر القيم، والحدود، والتواصل الاجتماعي، بما يقدّمه من إشارات ووجهات قابلة لمحاكاة كل عقل وقلب وروح في الحياة عموماً. فيقول: أؤكد أن الفن التشكيلي، وباقي الفنون المندرجة في سياقات متعددة تهدف  إلى الارتقاء بالإنسان  والانتشارعلى هيئة رسالات تلائم متطلبات العصر ومن ثم تنقيته ممّا يؤثّر سلباً بين الشعوب، إضافة إلى عبوره نحو آفاق كثيفة الحبّ والنبض والسلام، وهذا أنبل ما نطمح له  نحن الفنانين السورييّن.. وليس هذا بجديد، لأننا منذ عصور سابقة ونحن في خضم تقديم الأمثل والأقدر على صياغة النفس.. ومع أن المتغيرات السياسية لها أثر واضح في توقيفه كليا، لكننا لم نتوقف، فكما ذكرت حين يأخذ الفن مساحاته من الروح، ليس باستطاعته التوقف، لأن الروح حتى بعد نفاذ الحياة أثناء الموت وبعده تبقي العمل وأصحابه قيد الوجود..أما عن دوره وما يتبعه وما  يلزمه في حلّ التوقفات، فهذا يقف على إيجابية الفنان، وإيجابية المؤسسات التي ينتمي إليها الفنان، ودور المتلقي،، كلنا نعقد مسؤولية هذا في تنشيط الذاكرة والتاريخ والواقع والحياة بإقامة المعارض والمنتديات وغيرها، فالفنون تصنع الأمم وتنقلها نحو العلو والرقي والجمال، فالفن يؤثر في المجتمعات.. كتأثير الكثير من فناني الدول المتقدمة الذين تقدمت بهم  أممهم وتقدموا بها، ةلنلاحظ ما قدمته من صناعات وتجارات وسياسات ومن حيث النظافة والإيمان وحب الأوطان والانتماء بكل أوصافه..”.

وللفنان مضر  سليمة رؤيا تفاؤلية . وفي هذا يقول:” أنا لا أنظر إلى الفن على أنه كائن يلحق بالتطور أو يسعى لمواكبته بل هو صانع التطور وموجهه .أما أن يجد الفنان نفسه ولوحته خارج دائرة الحدث فهذا أمر ناتج عن عدم ثقة الفنان بلوحته، فالفنان الصادق يرسم ما حوله وفق رؤيته، وهذه الرؤيا تحمل الواقع المحيط. أما بالنسبة إلينا  في سوريا ففي الحقيقة، فقدت سورية كثيرا من الفنانين الماهرين، يملكون خبرة ومعرفة وذكاء، بعضهم هاجر أو هجّر، ومن بقي هم لايستطيعون مفارقة الوطن، لا لسبب وإنما لتعلقهم به وصدقهم في علاقتهم به، هؤلاء يملكون الحب، والحب هو القادر على أن يجعل من صاحبه عظيماً،إذ  المهارة وحدها تعطي لوحة مدهشة ولكن جافة، أما اللوحة المحمّلة بالعاطفة فهي كالنبيذ المعتق تصبح أجمل وأجمل مع الزمن. من جهة أخرى نواجه في سورية مشكلات تتعلق بتسويق الأعمال الفنية، وهذا ما اضطر كثيرا من الفنانين إلى التوقف عن العمل بحثاً عن مصدر للرزق وفي رأيي هذه هي المشكلة الأساسية وأنا أتعاطف مع زملائي غير القادرين على العمل الفني وأقول لهم أنتم مبدعون حتى عندما تتوقفون. وبنظرة لا تقل تفاؤلا”.

كانت الفنانة الشابة حنان ناصر تتحدث عن دور الفن حديثا يفيض بالإشراق : للفن أهمية كبرى للمجتمع،  له تأثير بالغ  في نفوس الأفراد وفي الحياة الاجتماعية وفي التكتلات السياسية والتماسك الاجتماعي .لذلك فهو أحد وسائل التفاهم والتواصل العالمي . وبعد تفعيل التربية الفنية في المناهج التعليمية أصبح لها أدوار أخرى غير الدور الأساسي الذي أنشئت لأجله وهذه الأدوار مجتمعة تساهم  بدور كبير وفعال في ترقية سلوك الإنسان لخلق مجتمع راق يصنع نهضة لبلاده ويكوّن  كوادر قادرة على قيادة تلك النهضة .. وكما قيل الفن غذاء الروح، إنه مرآة الأزمنة عبر العصور الماضية والحاضرة والقادمة والفن التشكيلي لا يزال يصور مظاهر الحياة الإنسانية بمختلف أشكالها وعاداتها وتقاليدها ،والحركة الفنية  مستمرة وفي نمو متواصل  وفي رأيي هناك تطورات كبيرة في السنوات الاخيرة في ظل الأزمات العربية بسبب لجوء عدد كبير من الشباب الواعي الى الفن هربا من الواقع وبسبب الانفتاح التشكيلي على دول العالم”.

أما الفنانة الفلسطينية رانيا اسعد العامودي فقد تحدثت عن دور الفن التجميلي وعن وظيفته في خدمة الإنسان قائلة”: إن ارتياد الحفلات الموسيقية وزيارة المعارض الفنيةتساهم في زيادة الثقة بالنفس وتطور العقلية والإدراك الحسي لدى الفرد كما يساهم في التواصل الاجتماعي بين الأفراد ليصبح الفرد أكثر رقيا بطرح ما يريد عن طريق تهذيب الروح والنفس والشعور بالهدوء الداخلي والالتزام “وحين سألتها عن موعد تحقق رؤيا ( إرنست ليفي ):ثستبدأ الإنسانية بالتحسن عندما نأخذ الفن على محمل الجد  كالكيمياء أو الفيزياء أوالمال”…..لم تكن رانيا متفائلة كسابقيها بل أجابت: “إن الفن يمنح الإنسان وعيا عميقا بحيث يخرجه عن المألوف والطرق السطحية المحدودة في معالجة المشاكل التي تواجهه فتأخذ منحى إنسانيا أكثر إبداعا وعمقا في معالجة الأمور ويمكن حدوثه إذا امتلكنا وعيا أكبر لحقيقتنا بعيدا عن البرمجات السابقة لأدمغتنا  نحن البشر…حتى الفيزياء والكيمياء وغيرها من العلوم من قال إننا نأخذها على محمل الجد؟ العلم والفن لا يتعارضان .إنما هما متكاملان.. الأمر كله مرتبط بعضه ببعض ،نحن شعوب العالم الثالث لا نأخذ شيئاعلى محمل الجد أصلا. هذا رأيي ،فكيف بالفن الذي يتربع على رأس الهرم في ذلك…؟ حياتنا أصبحت أرخص ما يكون  إذ الحياة نفسها لا نأخذها على محمل الجد، كرهنا الحياة على أمل أن نلقى النعيم في حياة أخرى ابتدعتها عقولنا المشوهة لتخلق نوعا من التوازن بين ما نعيشه من فوضى على هذه الأرض و ما نحلم به في عقولنا المهترئة”.

أما الفنانة العراقية شفاء هادي ناصر فهي ترى أن تأثير الفن في الجمال يأتي من متغيرات الكيان السايكولوجي ومتغيرات التعبير الداخلي ..يعني متغير كيميائي …بمعادلات كيميائية تتفاعل في الروح بنظرية المعادلات الارتقائية والفيزياء نظرية المقاسات الفاعلة والجاذبية في الروح”…وقالت أيضا”:لو نظرنا  إلى نظرية الجذب الروحي لرأينا ما يفعله الفن من إحداث ثورة في أعماق الروح لتغير المفاهيم كلها..الفن يظهر مواطن الجمال في الروح المكبوتة ويعبّر عن الأشياء التي لا يمكن إبرازها”.

وختام محطاتنا كان مع الفنانة العراقية دينا عبد القادر التي استشهدت بقول أنشتاين (لو لم أكن فيزيائيا فمن المحتمل أن أصبح موسيقيا) وذلك في رأيها مرده  إلى أن الفنون الجميلة تؤدي دورا مهما في المجتمع الإنساني وتجعل الإنسان أكثر رقيا. فكل الدول يقاس مدى تطورها واحترامها للإنسانية بفنونها الجميلة وعمارتها وفنانيها وتمنت لو يحدث هذا في كل البلدان التي تعتبر الفن شيئا ثانويا.

ونحن نضم صوتنا إليها ولكل الفنانين الذين تحدثوا لأن الفن لغة عالمية حضارية وبالفعل ستتحسن الإنسانية عندنا نتقن تلك اللغة ونعمل على نشرها لتكون لغة حوارنا وتواصلنا وليس لغة السلاح والحرب التي تتعامل بها بلدان العالم.

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*