جدليّةُ العلاقةِ بين الرّسمِ و الشّعرِ: حوار مع مجموعة من الفنّانين – تحقيق/ نور نديم عمران – اللاّذقيّة – سورية

نور نديم عمران

قيل: “الشّعر رسم ناطق .والرّسم شعر صامت”..فالعلاقة بينهما متأصّلة منذ الأزل،إنّها علاقة جدليّة. ففنّانون كثّر استوحوا  أفكار لوحاتهم من روائع الشّعر العربيّ وحوّلوها إلى أعمال فنّيّة قارئة للملامح الفكريّة والرّؤيا الوجوديّة التي ميّزت تلك التجارب؛في بحث عن المنطقة المتداخلة مابين الشّعر والتّشكيل…كما حدث مع قصائد الجواهري وبدر شاكر السّيّاب وأدونيس وغيرهم..

إذ أبدع التّشكيليّون في استلهام القصائد وترجمتها إلى لغة بصريّة لونيّة  مذهلة .
وعن العلاقة بين الشّعر والرّسم كان لنا هذا الحوار مع مجموعة من الفنّانين خاضوا هذه التّجربة.
تحقيق/ نور نديم عمران

فها هي الدّكتورة  فاطمة إسبر ابنة الأسرة السّوريّة الأدبيّة التّشكيليّة،شقيقة المبدع أدونيس تتحدّث عن هذه العلاقة قائلة”: حين نتأمّل لوحة ونحاول قراءتها هل يكون في ذهننا تصوّر مسبّق لما يجب أن نراه، هل نريد نقل ما حولنا و ما هو مرئيّ و موجود على أرض الواقع إلى سطح اللّوحة، أم نأمل في رؤية ما ليس معروفا أو مرئيّا؟
هنا تكمن العلاقة الجدليّة حول وظيفة العمل الفنّيّ، تستوي في ذلك القصيدة و اللّوحة و جميع أنواع الفنون الأدبيّة، فهل وظيفة العمل الفنّيّ نقل الواقع أم إعادة صياغته بصور مختلفة ام وظيفته الكشف و الإضافة؟
وهنا يبدأ حوار الشّعر واللّون في القصيدة أو اللّوحة، الشّعر الواضح الذي ينظم الواقع ولا يقدّم لنا شيئا بينما الشّعر الذي يتخطّى الواقع ويدخل في حوار مع المجهول هو الذي يثير مخيّلتنا ،وكذلك اللّوحة بقدر ما تضعنا على حدود لم نكن نعرفها تكون في عناق مع الشّعر عن طريق الكشف.
في الشّعر لوحات كثيرة يستطيع الفنّان أن يلتقطها خطّا مرسومابالشّعر، ويمكن للشّاعر أن يستبطن عملا فنيّا يبوح له بما تبوح به اللّغة ،ولو سألتموني عن وظيفة الشّعر سأقول بأنّ عليها أن تكون طريقا باتّجاه الكشف وليس تصويرا لواقع نعيشه ولنترك هذا الواقع للعدسة المتفوّقة بالتّوثيق في هذا الواقع التّكنولوجيّ ،ونترك للفنّان أن يضيف إلى المرئيّ ما بمقدوره أن يضيفه من مجهولات الجمال.


أمّا الفنّان السّوريّ كرم النّظامي فيقول :الرّوح المبدعة لا تفصل ولا تجَّزأ برأيي، و الحرف واللّون ليسا سوى أداة تعبير عن مكنون ما يعصف بالرّوح و الفنّان أو الشّاعر حسب مقدرتهما يشكّلان التّعبير الملوّن أو الكلمة الشّعريّة، بالنّسبة لي قصائدي هي لوحات ولوحاتي قصائد نثريّة ولا انفصال، لم أستوح لوحة من قصيدة سواء لي أو لغيري والعكس صحيح، فحالة الإحساس مصحوبة بالخيال تمنح العمل رونقه  و من هنا  تحتلّ اللّوحة كما القصيدة مكانة كونها أداة تعبير. و ثمّة تشابه كبير وتماهٍ بين التّشكيل الفنّيّ والتّشكيل الشّعريّ، لجهة اشتراكهما معاً بالصّورة والإيقاع وأن نسيجهما المخيّلة، و كثير من المبدعين كانوا شعراء وفنّانين معاً و منهم دافينشي و دانتي و أيلوار وفان كوخ بنثريّاته المذهلة ، وأيضاً فاتح المدرّس وحسين حمزة وأدونيس.”

وفي الإطار ذاته حاورنا الفنّان العراقيّ سعدي الرحّال الذي كان له هذا الرأي المهمّ أيضا:
“بلا شكّ إنّ العلاقة بين الصّورة الشّعريّة واللّوحة التّشكيليّة علاقة توافقيّة تتباين أحيانا وتتناظر أحيانا أخرى من أجل هدف مشترك

مهمّ هو الرّؤية الجماليّة . فكما أنّ الشّعر فنّ الكلمة فإنّ اللّوحة هي فنّ الصّورة مع اختلاف الوسائط  بينهما، و للقصيدة رؤية مسموعة و مقروءة و حسّيّة واللّوحة رؤية مرئيّة وحسّيّة، لذلك فإنّ الإحساس هنا هو القاسم المشترك بينهما، إنّ للشّعر ملتقيات وقنوات تواصل مع الرّسم من خلال المعنى و كلاهما يشتركان في مواقع أسس الجمال، و في أغلب أعمالي أحاول ان أنسج خطابا بصريّا يمكن تأويله بمفردات شعريّة من خلال المواءمة بين ما أشعر به وما يتردّد في الخيال من مفردات تهمس بشكل خفيّ في فضاءات العاطفة بتناغم و إيقاع شعريّ يرتفع وينخفض لكنّه يؤدّي في النّتيجة إلى رؤية بصريّة تشابه إلى حدّ كبير إيقاع الشّعر وموسيقاه، أشعر بها عند التّنفيذ و يلمسها المتلقي بإيقاع آخر في خياله لتؤدّي اللّوحة رسالتها الجماليّة في آخر المطاف”.
.
و على الرّغم من أنّ الحديث يطول ويتشعّب حينما يكون حول الشّعر والرّسم فكان لا  بدّ لنا من خاتمة جميلة للقاءاتنا وحواراتنا

فجاء الختام   مسكا بحديث الفنّانة السّوريّة  هيام سلمان التي قالت:
“هناك صلة وطيدة ين الفنون الإبداعيّة بشكل عامّ وعلاقة الرّسم بالشّعر تبدو واضحة عند بعض الفنّانين التّشكيليّين والشّعراء، و تبدو تجلّياتها أكثر وضوحا حين يكون الشّاعر فنّانا أو يكون الفنّان شاعرا، يبحث الشّاعر عن لوحة تعبّر بشكل أو بآخر عن قصيدته، لتتكامل الكلمة مع اللّوحة وكذا الفنّان يستوحي من قصيدة الشّعر أو بعض أبياتها وصورها الشعرية لوحته، هي ومضة موحية في كليهما /القصيدة .اللّوحة /
يتلقّفها المبدع بحساسيته المعهودة، و غالبا تتجلّى هذه الظّاهرة و تزداد قوّة حين يكون الشّاعر فنّانا تشكيليّا أو يكون الفنّان التّشكيليّ شاعرا، ومن أشهر هؤلاء عالميّا الفنّان والشّاعر الإنكليزيّ /وليم بليك/الذي كان يكتب ثمّ يعبّر عن قصائده بلوحات خلّدها التّاريخ، و في العالم العربيّ قد يكون الشّاعر الكبير أدونيس واحدا من الكبار الذين رسموا لوحات أرفقوها بين صفحات كتبهم الشّعريّة، وقد كانت لي عدّة تجارب شخصيّة رسمت فيها لوحات من وحي قصيدة قرأتها، أو أغنية كان لكلماتها وقع كفيل بتحويلها إلى لوحة، إنّه الإبداع يتجلّى بأدوات مختلفة: الخطّ واللّون والتّكوين في اللّوحة،والحرف والكلمة والأوزان الشّعريّة و غيرهما في القصيدة، وروح المبدع التي تأخذه بينهما”.

ويبقى الحوار مفتوحا بانتظار من يخطّ فيه إبداعا جديدابكلماته أو ألوانه أو بكليهما معا”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*