نصٌّ شاعريٌّ :حروبٌ مجاورةٌ لخالد خشّان – النّاصريّة – العراق

خالد خشّان

 

لقد أسرفنا كثيراً في مدح من نحبّهم.

ومثل خيط شفيف يسيل من القلب ، ذلك الأسف .

يوم كانت الأيّام وظلالها تتعثّر في صوتكِ ، كنتِ نذراً ، وقد نسي تماماً في ازدحام النّجوم التي شاخت في جيوبي ، وها أنا أمامكِ ، في ربوتي أقشّر أيّامي مّما علق بها من أسمائكِ ووجوهكِ الكثيرة .

المياه التي تركناها خلفنا، المياه التي غطّت قلوبنا في يوم ما ، يوم تبنّينا دويّ العاصفة وبإفراط وكخسائر يومية أغلق يَديٌ الفارغتين منكِ ولست بعيداً عن اليابسة .

غريبٌ هذا الهواء الذي يمرّ ، هذا الارتفاع الكثيف من غيابكِ ، وكي لا أبتعد كثيراً ، أقف وحيداً مثل شبّاك يتهيّأ لـفتح ذراعيه، لاحتضان الهواء العليل ، أفتقدكِ دائماً .

كيف صنعت لنفسك كلّ هذه الوحدة ؟ تلك روحك أتبعها أينما تحترق ولا تتوارى من دمها ، القلب إن لم يعد يتذكّر يداً لوّحت له في يوم ما ، تخلّى عنه أيضا ، هل لديك يدان قادرتان على احتضان من تحبّ ؟

خذ قلبها بقوة.

ودع قلبك يبرد بين يديها ، عسى أن يصلح لشيء !  ذاك الذي أتلفته الحروب والسّجائر والعرق المغشوش .

يطفو ورد سُرّتها  المخفيّ بحنين متراكم ،  تركته قوافل من البدو و جنود شجعان مجهولون مرّوا من هنا وهم يسحلون العالم من هزائمه ،

لا تتعب نفسك ،لا أحد يسمع عواءك  ، ربّما ذاك القتيل الذي افترش تلك السّهول ونام  ،  سيلوّح لك بغصن  شوك .

في يوم مولدهِ ، قبلة على صليبكِ وهو يتدلّى في مراعيكِ ، مدّي ذراعيكِ كجناحي طير واستنشقي الهواء عميقاً ، وتذكّري بأن هذا هو وقتنا المتبقّي والذي سال منه الكثير أمام أعيننا ولم نفعل شيئاً . 

رهبان كثّر خلفكِ ، يقلّدون صلاتكِ وقد أخفقوا في جمع ضوء يديكِ . تنهض المدن إلى أعيادها كلّ يوم وأنا برفقة اسمي الوحيد ننتظر سطوع جبينكِ الأغرّ .

في حروبنا الكثيرة ، حروبنا المجاورة للقلب وبعتمة مطلقة في السّماوات الغريبة وكأنّه ظلّك الأخير أيّها الوجه ، أعود إليها متأخّراً كلّ ليلة ، وكنجمة نحيلة، كالأيّام ، نعلّق أمنية في سقف الغرفة ، ونصلّي لها كي تكبر، لكنّنا نخسرها معاً في الصّباح الأكيد .

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*