طعم ٌ دمٍ على شفتي : شعر : فرات إسبر – شاعرة سوريّة مقيمة بزيلاندا الجديدة : تعليق : محمّد صالح بن عمر

فرات إسبر

حلفتُ لأمّي بأنّي رأيتُ نهراً أغسلُ فيه أقدامي
وجنّاتٍ خبّأت فيها بعضَ أحلامي.
على فزعٍ أفقتُ ،
رأ يتُ سجادة ً حمراء مثلَ دمي ،
كأنّها من مذبحٍ يبكي ،على جثثٍ تناثرتْ مثل الوردِ في الحقلِ!
خائفةَ أرتجفُ
في قلبِ الوردةِ أختبئُ
أهمسُ لها بأنّ عطرَها أرّقني
أعسل ٌهذا أم ملح ٌ؟ طعمُ دمٍ على شفتي
إنّهم إخوتي، أنتقِيهمْ من جثثٍ شتّى
هذا الذي صارَ وردًا كان من إخوتي.
تعليق : محمّد صالح بن عمر :
على الرّغم من أنّ صاحبة هذه القصيدة تقيم على بعد آلاف الكيلومترات من بلادها سورية ، لكونها قد هاجرت منذ عدّة سنوات إلى بزيلاندا الجديدة فإنّها تعيش مع شعبها ومسقط رأسها بكلّ جوارحها كما لو أنّها لم تفارقهما قطّ وتتابع يوما بيوم بمنتهى الأسى تطوّر الأحداث الدّمويّة التي تجري في وطنها منذ أكثر من ستّة أعوام. يضاف إلى هذه المأساة الأليمة التي تؤرّقها وتقضّ مضجعها ميلها إمّا الفطريّ و إمّا لعوامل طرأت في فترة الطفولة الأولى إلى الكآبة والتّشاؤم .وهو ما أسهم في اصطباغ رؤيتها للذّات والآخر والعالم بمسحة سوداويّة قارّة .
ان معرفة هذين المُعطيين الخارجيّين مفيدة للقارئ لأنّها تمكّنه من فهم كتابات هذه الشّاعرة النّابع معظمُها من ذينك المصدرين معا.، مثلما نلاحظه في هذه القصيدة التي بنتها على ثنائيّة تقليديّة هي ثنائيّة الحلم/والواقع لكن دون معالجتها أسلوبيا معالجة من هذا القبيل.
إنّ أوّل ما يلفت الانتباه هو التّقابل المضاعف بين العنصرين المكوّنين لهذه الثّنائيّة .فإذا منحت صاحبة القصيدة الأوليّة للحلم فإنّها لم تخصّص له إلاّ بيتين (البيتان الأوّلان) على حين أنّها وإن أخّرت العنصر الث”اني أي الواقع فقد أفرد له بقيّة النّصّ كلّها (ثلاثة عشر بيتا).هذه الهيكلة المخصوصة للقصيدة ربّما تشي بأنّ المتكلّمة في معظم أوقاتها منشغلة بالحرب الدّائرة رحاها في بلادها وبأنّها إذا اشتدّ عليها ضغط الواقع سعت إلى الهروب منه عساها تجد ملاذا لها في الحلم لكنّ فرارها لا يكون إلاّ خاطفا لأنّ الواقع يُحْكِمُ عليها قبضته عليها .وتتجسّد هذه السّطوة الاستحواذيّة في أنّ ما يظهر لها في المنام ،بدلا من أن يساعدها على الانغماس في الحلم ،يذكّرها في الحين بما يجري في الواقع من أحداث رهيبة .وهكذا فإذا تحوّل لون الدّم الأحمر في الحلم إلى وردة فإنّ تلك الوردة تذكّر النّائمة بالدّم .فإذا هي تستيقظ فزعة .
وبعد هذا اللّعب الطّريف على دلالتي الدّم والورد الرّمزيّتين توظّف الشّاعرة كلّ طاقاتها الإبداعيّة في منح الدّم والوردة دلالة أخرى لكن إيجابيّة هذه المرّة .وهي أنّهما معا رمزان للشّهادة في سبيل الوطن. .وبذلك يتحوّل الدّم من مادّة مرعبة إلى مصدر للنّخوة والاعتزاز لأنّ إخوة المتكلّمة الذين ماتوا في الحرب إنّما ضحّوا بحياتهم لأجل الوطن .
ولمّا تعذّر علينا الفصل في هذه القراءة المتعجّلة الفصل بين محتوى القصيدة وشكلها، لتلاحمهما الشّديد فإننا نكتفي في حديثنا عن الأسلوب بالإشارة إلى هذه الصّورة المربكة الرّائقة المربكة التي تفتّقت عنها مخيّلة الشّاعرة : ” في قلبِ الوردةِ أختبئُ”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*