لا أكلُّ : شعر: جوزي لو مونيي – شاعر من جزيرة المارتينيك

جوزي لو مونيي

 

1

لا أكلُّ

لا أكلُّ أنا نفسي

أنا الذي قد أقول إنّي الرّجلُ المنعزلُ

إنّي رجلٌ أخرقُ

رجلٌ أصمُّ

رجلٌ مثقلٌ

بالكحولِ والحِكمةِ

يسجلُّ غاباتِهِ

في عيوبِ التّجافيفِ

2

قلتُ إنّي لا أكلُّ؟

نعم وجنوحٌ إلى التّكرارِ أيضًا

كالطّرقِ  الشّديد بالعصا

على حَجَرِ اللّيالي

 

تعليق : محمّد صالح بن عمر :

يعسر على قارئ  هذه القصيدة أن يعرف إن كان تاريخ 1974 الذي ذيّلها به  صاحبها  هو تاريخ كتابتها أو نشرها لأوّل مرّة أو هو تاريخ صورته الشّخصيّة التي  أرفقها بها أو الاثنين معا.(وقد ردّ علينا بعد نشرنا هذا التّعليق باللّغة الفرنسيّة  بأنّه كتب هذه القصيدة سنة 1974 وبأنّ صورته تلك قد التقطت له سنة 1982 ).

هذه الأسئلة لا  مفرّ منها بالنّسبة إلى النّاقد الذي لم يطّلع إلاّ على قصائد هذا الشّاعر  الجديدة  التي نشرها في السّنوات الأخيرة.وذلك لأنّنا نجد بشيء من الاستغراب في  القصيدة التي نحن بصدد قراءتها الخصائص نفسها التي عهدناها في قصائده الجديدة وخاصّة منها القصر والكثافة الدّلاليّة العالية إلى حدّ الغياب شبه الكلّيّ للدّلالات المرجعيّة  ،كما لو أنّ أسلوب صاحبها ظلّ هو نفسه طيلة ما يقرب من ثلاث وأربعين سنة .

ولمّا كان الشّاعر ، في ما يظهر، يقدّم لنا في  هذه القصيدة صورة ذاتيّة نفسيّة وسلوكيّة لشخصه ،كما كان في النّصف الأوّل من سبعينات القرن الماضي ،فسنحاول الوقوف على ما وصفه فيها  من ملامح ،باستنطاق الدّلالات الحافّة وتأويل الرّموز المستخدمة .

ما يلفت الانتباه، بوجه خاصّ، في هذه الصّورة الذّاتيّة هو رؤية الشّاعر النّقدية الشُّجاعة لذاته .وهي ماثلة في اعترافه بما ينطوي عليه شخصه من عيوب وفي نظره إلى هذه العيوب  دون وجل  مع إبرازها في خطابه (إنّي رجلٌ أخرقُ/رجلٌ أصمُّ/رجلٌ مثقلٌ بالكحولِ / يسجلُّ غاباتِهِ في عيوبِ التّجافيفِ / جنوحٌ إلى التّكرارِ ).وهذا ما وسم وصفه لهذه الملامح بصدق نادر، لا سيّما  أنّه صادر عن شاعر، لما هو معلوم من أنّ النّظرة النّرجسيّة إلى الذّات هي ،بوجه عامّ ،من صفات  الفنّانين الأشدّ تداولا .

ومع ذلك إذا دقّقنا النّظر في هذه الملامح بمعزل عن أيّ اعتبار أخلاقيّ، لاحت لنا على العكس مفيدة وإيجابيّة .فكلمة ” أخرق “من الممكن أن يكون معناها هنا ” الأفعال الخاطئة”، تلك التي يشي حضورها بوجود لاوعيٍ أهوج ..أمّا”العزلة ” فهي ضروريّة للشّاعر عامّة لحاجته الملحّة إلى اعتزال المجتمع قصد التّأّمل في الكون وتقويم ماضيه الشّخصيّ .وأمّا” الصّمم” فمن الجائز أن تكون دلالاته هنا التّركيز الذّهنيّ على  اللّحظة الحاضرة وأن تدلّ “الكحول” على الهروب من الواقع و”الغابات” على حالة الشّك التي تنتاب الشّاعر و”التكرار” على الأفكار الاستحواذيّة التي  تقضّ مضجعه…وهكذا دواليك…وكلّ هذا  يقدّم، في نهاية الأمر، صورة مثلى لشاعر حقيقيّ.

وختاما  ليس التّعبير عن كلّ هذه المعاني بقليل من الألفاظ فحسب أبرز سمة أسلوبيّة  يتّسم بها هذا النّصّ وإنّما هو ،مثلما أسلفنا ،إحدى الخصائص الثّابتة في  أسلوب الشّاعر.

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*