يتيمُ العمّةِ : شعر: حسن العاصي – شاعر فلسطينيّ مقيم في الدّانمرك

حسن العاصي

 

كان لي عمّةٌ صبيّةٌ

تضعُ رأسي في حجرِها

كلَّ ليلةٍ قبلَ أن تأويَ للنّومِ

تغنّي بصوتٍ خاشعٍ حكاياتِ الأولياءِ

تسافرُ قدمايَ إلى حيثُ كرامةُ الغرباءِ

دونَ أن أغادرَ

أجري على ضفافِ القناديلِ

ويطفو فوقَ الوميضِ وجهي

أصابعُ عمّتي ترتدي شعري العبثيَّ

تسأُلني عن زهرةِ الرّيحِ وقلقِ النّوافذِ

تقولُ خبّئْ غيومَكَ إن اشتدَّ جناحُ الصّقيعِ

لا تمتطِ أسماءَ الأبوابِ المغلقةِ

إن لم تمتلكْ مفتاحَ الأسفارْ

تكفكفُ دموعَها وتستدرجُ لحظتَها

ترفعُ رأسَها وكفّيها للأعلى

بصوتٍ حزينٍ خائفٍ تقولُ

يا ربِّ قد ضاقَ وجدي

وفرحي بعيدٌ مثلَ الكرومِ خلفَ التّلالِ

ما زلتُ أنتظرُ على أبوابِ الغيمِ تَعِباً

تخفضُ يديّها وتحضنُ ٍرأسي

يعلو صوتُها

يا اللهُ هيّئْ لولدي فراشَ الإيمانِ

اجعلِ المسافاتِ طوعَ صوتِهِ

ازرعْ في خطاهُ سراجَ اليسرِ

وأبعدْ عنه جرادَ الدّروبِ الضّيّقةِ

يا ربُّ اجعلّهُ من الحالمينَ

كنتُ صغيراً مرتبكاً

كلماتُها تسربلُني ثوباً من الرّيشِ

عمّتي الصّبيّةُ كانت جميلةً

غصنًا من فضّةٍ يخالطُهُ زهرُ الجنّةِ

 بضفائرَ تمتدُّ على أجنحةِ الضّوءِ

مثلَ فراشةِ الأنهارِ تغتسلُ بالمرايا

عمّتي الصّبيّةُ التي كانتْ تدعو لي وتغنّي

انطفأتْ عيناها ولم أكبرْ

لفظَ فرحُها أنفاسَهُ في بياضِ الثّوبِ

شيّعَ الطّفلُ عمّتَهُ يشهقُ حمماً

في شرخِ القميصِ المكلومِ

تكتظُّ ملامحُها في صراخِ الصّغيرِ المنكسرِ

حينَ كبرتُ أصبحتُ تلاًّ من الماءِ

أتلو ظمأَ العشبِ من الكتابِ المتّقدِ

أركلُ العتباتِ النّائمةَ بصوتٍ مرتعشٍ

فكيفَ يغفو صراخي في جوفِ الجدرانِ النّائمةِ

قربَ لوحةِ الأنبياءِ

لو أنّ الوقتَ يا عمّتي ينكفئُ أو يموتُ

لو أرتدي ذاكَ الثّوبَ العاريَ

 في العتمةِ الأخيرةِ أو يغادرني

ما زلتُ في حكاياتِكِ طفلاً لم يكبرْ

ما زلتُ يا عمّتي أرى بحورَ وجهِكَ ترحلُ

وأنا لا زورقَ لي كي أنامَ

أوثقُ عينيَّ حولَ الصّفصافةِ العتيقةِ

أحملُ رأسي وطيفَكِ وشيئاً من المواويلِ

تعدو كفّي صوبَ آخرِ رمقٍ

في حزنِكِ الأخيرِ قبلَ الموتِ.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*