رحلتي إلى إيطاليا 2017 (5) :البندقيّةُ هذا الأرخبيلُ العجيبُ السّاحرُ : الجزء الأوّلُ : امتحانُ الجسورِ : محمّد صالح بن عمر

على ضفة القنال الرئيس في البندقيّة

على ضفة القنال الرئيس في البندقيّة

جندول يعبر قنالا تحت جسر من جسور البندقيّة

جسر “ريالتو ” بالبندقيّة

 

لم أر في أيّ بلد من البلدان التي زرتها – وعددها يقارب السّبعين بلدا – إقبالا من السّيّاح كالذي رأيته على مدينة البندقيّة حيث يزدحم الزّائرون في أزقّتها طيلة النّهار وحتّى ساعة متأخّرة من اللّيل ، كما لو أنّ كلّ يوم فيها يوم حشر.ومرّد هذا الإقبال الذي لا نظير له ،دون أدنى شكّ، إلى فرادتها الجغرافيّة ، إذ يخترقها عموديّا قنال واسع على هيئة الحرف اللاّتيني Sتعبره السّفن ويمتدّ على 118 جزيرة صغيرة متلاصقة تربط بينها جسور .
هذه الهيكلة المخصوصة جدّا للمدينة جعلت زيارتها بمنزلة المغامرة .فلا مترو فيها ولا حافلات ولا قطر ولا سيّارات أجرة ولا مَرْكَبات من أيّ نوع كان .فلكي تتنقّل فيها ليس لك أن تعوّل إلاّ على قدميك.وهكذا حين تنزل من الباخرة لا مندوحة لك عن التّحامل على نفسك لتجتاز بحقيبتك سلسلة من القناطر تفصلك عن الفندق الذي اخترت أن تنزل فيه.وفي ما يخصّني كانت تفصلني عن فندقي سبع قناطر بالتّمام والكمال ، أوّلها يسمّى جسر “ريالتو (“Rialto ) .وهو جسر شاهق يصعد إليه بسلّم كثير الدّرجات.وحين بلغتُ هذه المرحلة وجدت بعض الشّبّان التّونسيّين قد جلسوا على الأرض في ركن من الدّرج يسترجعون قوّاهم و إلى جانبهم حقائبهم.فسألني أحدهم : ” ألا تتوقّف لتستريح قليلا؟ “.فقلت له : “الفرق بيني وبينكم أنّي رضعت لبن أمّي. أما أنتم فرضعتم اللّبن الاصطناعيّ “.فانفجروا ضحكا مستطرفين جوابي .وواصلت طريقي بمشقّة إلى أن بلغت الفندق.
لكن لا تظنّوا أنّ السّياح تثبّط عزائمهم مثل هذه المشاقّ.بل على العكس تر اهم يفتخرون بالنّجاح في اجتياز هذا الامتحان ولن يفوتهم التّحدث عن مغامرتهم إلى أقاربهم ومعارفهم عندما يعودون إلى بلدانهم .
ومن جهة أخرى ليس من مصلحة الزّائر حين يصل إلى الفندق أن يدع فكرة العودة إلى الميناء من هذه الطريق الوعرة تهيمن على ذهنه، لأنه إن فعل نغّص على نفسه إقامته ليس إلاّ .
وما دمنا نتحدّث عن العودة فقد رأيت سيّدة يغمى عليها بعد أن اجتازت الجسر الأخير .فهبّ إلى نجدتها جمع من النّاس .
على أنّه إذا كانت جيوبك مليئة نقودا فإنّك تستطيع أن تجنّب نفسك مؤونة اجتياز هذا الامتحان العسير .وذلك بالإقامة في أحد الفنادق المحاذية للميناء حيث الأثمان خياليّة .ولهذا السّبب لا يقيم فيها إلاّ أصحاب المليارات وأكثرهم أمريكان و إنجليز وعرب خليجيّون بل أطلعني بعضهم على جزيرة صغيرة قال إنّها على ملك ثريّ عربيّ.والله أعلم

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*