الهُبوطُ بِالنَّهديْنِ معاً . . : شعر : مازن أكثم سليمان – دمشق – سورية

مازن أكثم سليمان

 

 

مِنَ الرِّيف هبَطَتْ

وإليهِ تؤوبُ كالرَّبيعِ..

إنْ مالَ غصنٌ

فتحيّةٌ لعُصفورٍ بريءٍ،

وإنِ احترَقَ مصباحٌ

فثمّةَ خطبٌ في أعالي الجبالِ،

وحينَ يُبدِلُ الهَواءُ مَلابِسَهُ كخاطرٍ جريءٍ

فالخَدَرُ السِّحْريُّ فارِسٌ سيأتي على كلامٍ أبيضَ.

أنا المأخوذةُ بالآلهةِ الطَّيِّبةِ

أهلي نَذَروني لِملائكةِ الأزهارِ

مَنحوني الخَيالَ النَّيءَ في البَيادِرِ

وقالوا لي : امضِ إلى البَهاءِ المُنتظَرِ

فقلتُ : سأدخلُ المدينةَ الجامعيّةَ على جناحِ فراشةٍ

ولنْ أغادرَها إلاّ على ظَهْرِ عُقابٍ.

…كُنّا خمسَ فتياتٍ

سَرَقْنَ مِنَ العائلاتِ كُنوزَها الأغلى

تَذَوَّقْنَ الهَواجِسَ والوُعودَ شوكةً شوكةً

وتفاءَلْنَ بانهمامِ الفُصولِ بالوَجناتِ

قبلَ أنْ تُباغتَنا حِرابُ اللَّيلِ:

_ كيفَ لِمصروفٍ أعزَلَ

أنْ يُحاصِرَنا مُنتصَفَ كُلِّ شهرٍ..؟!!

لمْ ننبذْ زميلةً غرِقَتْ في عُطورٍ نفيسةٍ

ولمْ تدفعْ ثمَنَ حِصَّتِها في المؤونةِ.

ولمْ نُعاتبْ جسَداً ارتدى العُرْيَ دريئةً

أو فتَحَ خزائنَنا من دونِ إذْنٍ

وأهدَى نفسَهُ حتّى المَلابِسَ الدّاخليّةَ..!!

أعَزُّ صديقاتِنا

انْقَلَبَتْ فجأةً على حُقولِها القديمةِ

أبكَتْ جُدرانَ الحَمّاماتِ تأوُّهاً

وكُلّما تشبَّثَتْ بالإجهاضِ كأنَّهُ قشّةٌ حدباءُ

أغارَ عليها طيْفُ جدّتِها كلسعاتِ النّحْلِ..!!

…في متاهاتِ الشّوارعِ

وبينَ الوُجوهِ الغريبةِ

الغُبارُ قادَ الخُطى بلا غايةٍ

والسّاعةُ أَعْمَتِ الوقتَ بالعبَثِ

لا حُدودَ للرّغباتِ المَسفوحةِ

ولا حَواجِزَ أمامَ خُرافاتِ الحِسِّ

ميزانُ القُوّةِ يميلُ نحوَ الغَراباتِ

والولادةُ لا تحدثُ مرّتينِ في الغابةِ

الذّاكرةُ كوخٌ يتداعَى

والنّعناعُ اليابِسُ قد يُغْنِي عنِ المرجِ الأصيلِ:

في الغُرفةِ المُجاوِرَةِ ]

الفتياتُ يُعَمِّدْنَ حداثةَ 2007 بالتّحشيشِ

وفي الطّابِقِ السُّفليِّ

هرّةٌ تغرسُ مَخالبَها

في وردةٍ بِعُمْرِ الأنينِ.

لمْ تنتحِرْ جارَتي لأنّها فقدَتْ عزيزاً

حبيبُها ألصَقَ صورَتَها العاريةَ

على مَرايا السَّماءِ.

وفي الطّابِقِ العُلويِّ

اجتَمَعَتْ شجرةٌ وصخرةٌ ومُشعوذةٌ

في حفلةِ جنسٍ جماعيٍّ.

مَسؤولةُ الوَحدةِ لمْ تُخبرْني

عمَّنْ سرَقَ مُحتوياتِ حقيبتي

ورمى بطاقتي الجامعيّةَ على بَلاطِ (الكوريدورِ)

وأمنُ الجامعةِ عُيونُ ذئابٍ تُضيءُ في الظّلامِ

وتنحَرُ أنوثتي

[كُلّما أقلَعَ منّي سِرْبُ رحيقٍ

…هبَطَتْ بِسُهولةٍ كحبّةِ ندًى

وأواخرَ كانون الثّاني انهارَتْ خُطوطُ الدِّفاعِ

كائناتٌ غريبةٌ استفاقَتْ تحتَ الجِلْدِ

وفي الكافيتريا غنَّى لها الأصدقاءُ:

[ أوّلُ حُبٍّ يا أوّلَ حُبٍّ ]

/السّاحاتُ خلَّدَتِ التّفاصيلَ

والشُّرفاتُ تنصَّلَتْ مِنَ الشّهادةِ/

_ بِاسْمِ اللّونِ الجليلِ في وجنتيكَ

بِاسْمِ رائحتِكَ الصّالِحةِ لِأجمَلِ موتٍ

سأغفرُ لكَ ماضيكَ الأغبَرَ

سأزورُ شقَّتَكَ كالحجِّ

أنا لكَ في المدينةِ الجامعيّةِ، لكنْ بقلَقٍ مِنَ العُيونِ

وفي الطّريقِ أنا أنتَ، لكنْ بحَذَرٍ شفيفٍ

وفي العُشِّ البعيدِ، لنْ يعرفَنا أحَدٌ..

_ أنتِ الأَولَى، والأَوْلَى بِالنَّسيمِ..

أنتِ أنفاسُ المُسعِفينَ

حينَ تُعيدُ النَّبضَ مِنَ الغيابِ؛

فلا تتحسَّري أمامَ الواجهاتِ والأضواءِ

عاطفتي شيكٌ مفتوحٌ على بياضِكِ!

/هَدايا.. هَدايا..

مِنْ شَحمةِ الأُذُنِ

حتّى أخمَصِ القدَميْنِ..

هَدايا.. هَدايا..

مِنْ وَرَعِ الوَرْدِ

إلى مُجونِ الشِّفاهِ../

_ بِاسْمِ المُقدَّسِ في قلبي

سأرتِّبُ لكَ جنَّتَكَ

سأغسلُ دُموعَكَ مع الشّراشفِ

لكنْ..

لنْ أستطيعَ البقاءَ أكثَرَ

تُغلَقُ الأبوابُ في العاشِرةِ مساءً

بلى أستطيعُ البقاءَ طويلاً

تُفتَحُ الأبوابُ في السّابعةِ صباحاً..!!

/أوَّلُ حُبٍّ يا أوَّلَ نَجْمٍ يَهوي

يا حِضْنَ الموجِ الغامِضِ

وسِحْرَ خَيَالٍ فوقَ قِبابِ الكَرْمةِ/

_ لا يا حبيبي.. لا..

الوقتُ مازالَ باكِراً

وأنا أُحِبُّكَ هكذا

لِشخصِ الغُيومِ فيكَ

الجسَدُ بعدَ الخاتَمِ

والخاتَمُ عشرُ نُزهاتٍ في البوْحِ

لمْ تُقبِّلْ فَمِي سابقاً

سوى أُمَّهاتُ الخِشيةِ العذراءِ

حاذِرْ أنْ نتسرَّعَ..

حاذِرْ أنْ..

حاذِرْ..

…أيُّ غزَلٍ أعنَفُ

مِنْ لمسةٍ تُمارِسُ المَجازَ العسَليَّ..؟!!

أيُّ الأزرارِ فُكَّ أوَّلاً

كفراشةٍ مَشلولةٍ بينَ ذراعَيْ عنكبوتٍ..؟!!

كيفَ تمزَّقَ القميصُ

كشراعٍ في عاصفةٍ..؟!!

وانهارَ البنطالُ

كعمارةٍ مَغشوشةٍ..؟!!

كيفَ نزَلَتِ الطُّمأنينةُ نُزولَ وَحْيٍ..؟!!

وبارَكَتِ المدفأةُ كُوخَ الشَّغَفِ الوثيرِ..؟!!

…عاريانِ في سُرَّةِ الكونِ

لا يعرفانِ مِنْ أينَ تُصنَعُ اللَّذّةُ

بِاسْمِ الهَوى، وبِاسْمِهِ وحدَهُ..

خَتَمَ الزَّمَنُ على مَبْسَمِ الرِّيحِ أغصانَ غارٍ.

الشّريكاتُ في الغُرفةِ

شاهَدْنَ بُرْعُماً ينمو على عُنُقِها

قالتْ: هذهِ ليسَتْ علاماتِ أسنانٍ

انظُرْنَ جيِّداً

هذهِ نافذةٌ تهشُّ العُزلةَ كالضّبابِ

انظُرْنَ، وتعلَّمْنَ..

كيفَ تتبختَرُ الغبطةُ على رؤوسِ أصابعِها

كأهزوجةٍ تُطيحُ بحسَدِ النُّهودِ.

/صبَغَتْ شَعْرَها بِالكناريِّ

ابتاعَتْ ثيابَ الحقبةِ الجديدةِ

حضَّرَتْ لهُ كعكةَ عَبَقٍ

وتذكاراً تأخذُ بيدِهِ تعويذةٌ

لكنْ.. بِاسْمِ الهَوى، وبِاسْمِهِ وحدَهُ..

لمْ تُقابِلْهُ بعدَ ذلكَ اليومِ اليتيمِ..؟!!/

…لمْ تُفكِّرْ أبداً بأنَّها دخَلَتْ مَتاهةً

لأنَّها أصلاً لمْ تضَعْ حُدوداً بينَ المُغازلاتِ والحَريرِ

سارَتْ في خَطٍّ مُستقيمٍ نحوَ الجَمالِ

ولمْ تطمَحْ بأكثَرَ مِنْ وَرَقةِ عِنَبٍ

تُلوِّحُ للشَّمسِ كُلَّما هبَّتِ الرِّيحُ

لا فرْقَ بينَ آهةٍ جنوبيّةٍ أو شماليّةٍ

الجهاتُ كُلُّها تبكي

والمَخطُوفُ على خَصرِها

يطوي الكلامَ على الحُطام.

قالَتْ: أنا حبَّةُ النَّدى المَطعونةُ

سأنزفُ بِحَجْمِ مُستنقعٍ

وقريباً جدّاً سأُبَعْثِرُ البِداياتِ

سأختَمِرُ كحجرٍ صَلْدٍ في حوضٍ آسِنٍ

وأُعَرِّفُ الحِسَّ بأنَّهُ قفَصٌ آخَرُ للغُرباءِ

سأكونُ غَيْرِي بعدَ الآنَ

المَخالِبُ والأنيابُ والمُوارباتُ

ستُواري الصَّبابةَ الثَّرى

سآخذُ وضعيَّةَ الشَّمعةِ الذّائبةِ: رجُلٌ اثنانِ عشرةٌ عشرونَ

حيثُما تُفَضِّلُ الكينونةُ الزَّحْفَ على الرَّقصِ

كأنَّ فيضاناً يفرشُ نفسَهُ في المَراثي

والسّيولُ لمْ تزُرْها أبداً..؟!!

أو كأنَّ صفْعَ وُجُوهِ الموتى

يُغْنِي عنِ البُكاءِ الجارِفِ حَسْرَةً..؟!!

مِنَ الرِّيف هبَطَتْ

وبِغَرْزَةٍ رَزِينةٍ بينَ الفخذيْنِ

تؤوبُ

إليهِ

كالخريف.

مازن أكثم سليمان.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*