ورقةٌ فارغةٌ: علي غازي – بغداد – العراق

علي غازي

عن النّافذةِ المفتوحةِ الأخيرةِ ، التي تُنْصتُ إلى الدّروبِ البعيدةِ.
عن البيوتِ المهجورةِ ، التي تَضْربُ نوافذَها الرّياحُ بحزنٍ.
عن انتباهِ الأشياءِ .. 
عن جماليّةِ نِظرتِكِ الوحشيّةِ إلى داخلِكِ .
عن كلمةِ حبٍ في قنّينةٍ تطوفُ المحيط.
عن تمرّدِنا على الجسدِ ، تلك الكينونةِ الصّغيرةِ التي لا تكفينا . 
عن عربةِ الشِّعرِ القديمةِ ، التي تقودُها أحصنةٌ متعبةٌ.
عن الدّموعِ التي تفقدُ معناها ولا تملكينَ سواها .
عن المثلّثِ الأغريقيِّ(1) .. بالرّغم من أنّي أحبُّ مثلثَكِ الإغريقيِّ أكثرَ .
عن كلماتِكٍ التي لا أضعُها في مكتبتي حيثُ النّسيانُ ، بل في قلبي حيثُ الجحيمُ.
عن الشّيءِ الذي ينبضُ فيَّ .. كأنّه المطرُ.
عن الجزءِ الذي ينمو منّي كأنّهُ الحربُ .
عن الفجرِ الذي يتوقّفُ عندَ عتبتِكَ وينحني : اُخرِجي أميرتي ليبدأَ النّهارُ.
عن بوكوفسكي وامرأةٍ فاتها أوانُ الشّعرِ والحبِّ(2).

عن غروتوفسكي وسلاحِه(3) ، وتشوانغْ تزو وحلمِهِ(4) .
عن الأثقالِ التي نحملُها ، تلك التي تجعلُنا نفشلُ في الطّيرانِ كلَّ مرّةٍ .
عن ورقةٍ فارغةٍ ، نعدو عليها أنا وأنتِ .. نبحثُ عن زاويةِ البدايةِ.
عن طفلٍ تحتَ الأنقاضِ ، يبكي في نومِهِ : “ماما أخرجيني من هنا “.
عن اللّقالقِ التي تحملُ الجثثَ .. توزِّعُها على بيوتِنا .
عن نيزكٍ ينتظرُ الاصطدامَ.
عن حروفٍ نتقاسمُها.
عن أحزانٍ لا يمكنُ هزيمتُها .
عن موسيقى ضاحكةٍ تُبكيني.
بالنّيابةِ عن سيوران وبيسوا وعن دالي وديلاكروا . 
بالنّيابةِ عن كلِّ شيءٍ .. أكتبُ إليكِ ، كلماتٍ تشبهُ الوجعَ حينَ يهبطُ بمظلّتِهِ .
كلماتٍ تمنحُ دمعةً .. دمعةً وحيدةً باقيةً .
لا تطفئي الشّموعَ التي أراكِ بها.
لا تئدي الحلمَ في مهدِهِ.
اِبْقَيْ حيّةً .
…………….
(1) المثّلث الإغريقي : كافافي ، ريتسوس ، كازانتزاكي .
(2) بوكوفسكي : أعتقد أنّ امرأة لم تفتح ساقيها طوال خمسة وثلاثين عاماً .. سيكون قد فاتها أوان الشّعر والحبّ .
(3) غروتوفسكي : في الحياة المسألة الأولى هي كيف تكون مسلّحاً ، في الفّن كيف تكونُ منزوعَ السّلاحِ .
(4) تشوانغ تزو .. حلُم أنّه فراشة ، وعندما استيقظ ، لم يدر إن كان بشراً حلُم أنّه فراشة ، أو أنّه فراشة تحلم الآن أنّها إنسانٌ .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*