على قارعةِ الغبارِ :حسن العاصي شاعر فلسطينيّ مقيم في الدّانمرك

صور الآيفون 019 (1)

حسن العاصي

images

 

لقد سكرتُ

جئتُ على خمرٍ
غببْتُ الرّاحَ غبَّاً
ليسَ من لهوٍ وأُنسٍ

ولا من ضلالٍ وكفرٍ
كنتُ بالوعدِ لجدّي
ألاّ أقربَ الخمرةَ
خنتُ العهدَ وسكرتُ
لا تجزعْ يا جدّي
قالوا لي
يجوزُ إساغةُ اللّقمةِ بالخمرِ
فالحزنُ يُبيحُ الحظرَ
قد قرأتُ في الألواحِ المخمورةِ
أنّ الأقصى حزينٌ
والشّامَ تبكي
كيفَ ابتكرُ أوديسيوسَ 
الحصانِ الخشبيِّ ؟

ما جوازُ شربِ الخمرةِ

لإزالةِ الحزنِ

ما لم يوجدْ ما يقومُ مقامَها؟

حسناً ارمِني بما شئتَ وسُبَّني 
المعذرةَ يا جدّي لقد سكرتُ
دعني أهجو الحكّامَ العربَ
أعلمُ أعلمُ أن ذمَّ النّاسِ حرامٌ
لكنّ شتمَ الحكّامِ شعيرةٌ
حلالاً مباحاً
بلادُنا يزيّنُها الموتُ يا أبي
يجهشُ الماءُ فيها
الرّحمةُ فخّارٌ ينكمشُ
والصّباحُ قسماتٌ تحترقُ
أنا أعترضُ إذنْ أنا مخمورٌ
سكرانُ أنا الآنَ
هذه خمرةٌ رديئةٌ
صبرَكَ يا أبي
أنا لا أسكرُ

 إلاّ  خلفَ ستارِ الأسى
أين أنت الآنَ يا أحمدُ
قلتَ لي إنّ بغدادَ وعدنَ
بلا ملامحَ
لا تغضبْ أبي
إن شئتَ أقمِ الحدَّ
اِجلدْني قدرَ عزمِكَ
ثمانينَ أو حتّى يبلغَ السّوطُ أجلَهَ
لكنْ أبي عليكَ أن تجلدَ الحاكمَ أيضاً
هو سببُ غمّي وسُكري
ماذا ؟ نعمْ نعمْ أبي
أعلمُ أنّك لا تستطيعُ
لماذا لا تسكرُ إذنْ يا أبي؟  
أيّها الحاكمُ اللّعينُ
أرأيتَ ..
قد سبّبتَ الآنَ مشكلةً لي
مع جدّي وأبي
كيفَ أبي لا تسكرُ
وهذا الحزنُ جاثمٌ
كشواهدِ القبورِ في قعرِ التّرابِ
والعتمةُ تُبرعِمُ ضوءاً قاتلاً
يهوي فوقَ أعناقِ النّاسِ
لا نبوءةَ يا أبي في ألواحِ الموتِ
ويحٌ للحكّامِ
قد فرغتِ الخمرةُ
المعذرةَ يا جدّي
لذّةُ الخمرةِ أودتْ برشدي
ألم تسكرْ بعدُ يا أبي
ولديكَ ألفُ حاكمٍ
ألفُ حزنٍ وألفُ هيكلٍ
واثنانِ وعشرونَ مخاضاً
يشهَقونَ حِمَماً
معذرةً أبي 
إنّي أبحثُ عن الرّاحِ
لا لن أقعَ
لكنّ رائحةَ قلبي تتمدّدُ
تحصدُني كزهرةِ التّعبِ
لا ترضخْ
سأظلُّ أسكرُ يا أبي
حتّى يقضيَ البوقُ
عنقاً نُصبتْ على قارعةِ الغبارِ

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*