هاتي لي : شعر: قايتن باريسي – شاعر إيطاليّ بلجيكيّ

62734_10200748536784757_941318049_n

قايتن باريسي

texte-triste-d-amour-2

هاتي لي

قليلاً من تلكَ الرّائحةِ

التي تحملُ نكهةَ النّهرِ

والتي أبحثُ عنها  خفيةً

في فراشِنا العابرِ

 

هاتي لي

دخانَ سيجارتِكِ  السّطحيّةِ

لأدرسُ حزني

في بيدرِ الطّريقِ المؤدّيةِ إلى السّماءِ

 

هاتي لي

أزرقَ

ذكرى الصّيفِ

لآخذَ الحُبَّ الكامنَ

في كلِّ حبّةِ قمحٍ

 

هاتي لي

الأمنيةَ

التي تنمو على قبري

لأسجنَها في قلبي

وأظلَّ أتألّمُ على الدّوامِ

لأنّكِ لن تعودي أبدًا

 

تعليق : محمّد صالح بن عمر :

 

يتوجّه الشّاعر في هذه القصيدة الرّثائيّة التي كتبها في مقام حِداد  وصاغها في قالب خطاب أمريّ يفيد التوسّل  إلى حبيبته الفقيدة ، جاعلا نصّه يدور حول ثلاث نِتَف من الذّكريات جاءت على هيئة صور مستدعاة من ماضيهما السّعيد الذي ولّى إلى الأبد وأمنية موجّهة إلى مستقبل  تعيس حالك.

تعكس الصّور الثّلاث التي استيقظت في ذاكرة الشّاعر تعلّقه الشديد بسمة جسديّة ( الرّائحة )وأحد لوازم شيء جامد ( دخان السّيجارة )يرتبطان بشخص الحبيبة ومكان معيّن (البحر : أزرق ذكرى الصّيف ) قضّيا فيه  حسب ما يبدو آخر لقاء جمع بينهما.وهذه العناصر الضّئيلة الشّأن ، القليلة الأهمّيّة ظاهرا، على الأقلّ في نظر الإنسان العاديّ، لا يمكن أن يكون لها هنا إلاّ قيمة روحيّة عالية، لأنّ وزنها المعنويّ يحسّ به ولا يدرك البتّة بالمفكّرة .

ولهذه الصّور المنتقشة على نحو عميق في روح الشّاعر  بعدٌ آخر بالغ الأهميّة أيضا.وهو طبيعتها  الغريبة والمستعصية على الفهم  ، إذ لماذا طفتْ هي بالذّات دون غيرها من أعماق الذّاكرة؟ وهذا هو، في الحقيقة ،الجانب الملغز الذي ينهض وحده دليلا على وجود ما يسمّى ” حبّا” .أمّا المشاعر  التي تنسب إليه كالعجاب والصّداقة والرّغبة فما هي به .

وهناك عنصر ثالث يحسن ملاحظته ورد في المقطع الأخير .وهو وحدانيّة حبّ الشّاعر للفقيدة وخلوده.

أسلوبيّا  تتميّز هذه القصيدة ببنيتها الإيقاعيّة المحكمة بفضل تقارب مقاطعها من حيث الطّول وابتدائها كلّها بترديدة واحدة .

إنّها قصيدة مؤثّرة للغاية ، صادرة من أعماق الرّوح ،تنضح تلقائيّة وصدقا .

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*