من طعمٍ غامضٍ للمضاربةِ بالبشرٍ : شعر : باتريك برتا فورقاس – شاعر فرنسيّ – باريس

34718_1611070004451_5052985_n

باتريك برتا فورقاس

export_gtvafsjuma-35fcc3-11x

ثمّةَ أجسادٌ تموتُ

ثمّةَ مياهٌ تُصَبُّ  من حدودِ الصّحراءِ

 

القارّاتُ في مواجهةٍ مع  قنواتِها

كم يتخيّلُ البشرُ

البحارَ على قدِّ قاماتِهمْ

 

جراحٌ صغيرةٌ

خدوشٌ تتعفَّنُ

 

الكوكبُ يعرفُ دماءَهُ

لن نسيرَ طويلاً أكثرَ ممّا سِرْنا

 

للطّريقِ كلماتُها الخاصّةٌ للذين يسكتُونَ

فيكونُ مآلُهُم الضّياعَ

 

كيفَ تنطفئُ القرونُ

وصمتُ السّلطاتُ ؟

كيفَ تنتهي اللّيالي

حينَ يَغيمُ القلبُ؟

 

سيكونُ لكلِّ واحدٍ منّا وجهُ الخوفِ

نحنُ متواطئونَ على مصيرِنا

 

ذكرى وشكٌّ

على مقاعدِ الضّمائرِ

 

جنونُ الجموعِ

في ضلالِ الهروبِ

 

حدودٌ قاحلةٌ

 لصالحِ استعمالِ القوّةِ

 

جسورٌ وأوديةٌ

 اتّخاذُ وجهةٍ جديدةٍ

نحوَ البحرِ

 

الهيجانُ يزحفُ

نحوَ الشّواطئِ المضرَّجةِ بالدّماءِ

 

الخرافةُ تبكي الأحلامَ

على الصّخورِ المشيّدةِ فوقَ الضّفافِ

 

عندما ينتابُ الحروبَ القلقُ

يُتَعلَّمُ المستقبلُ

بتنفُّسِ أيّامٍ حالكةٍ

 

تعليق : محمّد صالح بن عمر:

 

يصدر الخطاب في شعر باتريك ببرتا فورقاس  دائما عن شخصيّتين: إحداهما شخصيّة المفكّر الذي يفصح عن رؤية ثابتة لا تتغيّر  والأخرى شخصيّة الشّاعر التي تَسْتلهِمُ موضوع حديثها من اللّحظة الرّاهنة .والنّتيجة الحاصلة من هذين النّشاطين الفكريّ والانفعاليّ هي توليد خلفيّة فلسفيّة شخصيّة لازمة تجسّد أساسَ فكر هذا المؤلّف وفي الوقت نفسه التّعبيرُ عن موقف من موضوع مخصوص.

في هذه القصيدة الجديدة ،على سبيل المثال،يضعنا  صاحبها في الجوّ المأسويّ الذي عوّدنا على إنشائه في كلّ نصوصه والذي يغطّي الملحمة البشريّة برمّتها من بدء الخليقة إلى اليوم ( ّ –الكوكب- البشر…).والمقوّمات البارزة لهذه المأساة هي أوّلا : الكائن البشريّ نفسه الذي تتوفر فيه كلّ مواصفات البطل القمريّ السّلبيّ لا سيّما غياب الإرادة  ( للطّريق كلماتها الخاصّة بها للذين يسكتُونَ/ فيكونُ مآلُهُم الضّياعَ – جنونُ الجموع في ضلال الهروب ) والخضوع التّامّ من ناحية لإملاءات الغريزة الحيوانيّة العدوانيّة التي تسكنه ( لصالح استعمال القوّة – يغيمُ القلبُ ) ومن ناحية أخرى  لقدر أعمى يقوده إلى نهايته  (لن نسيرَ طويلا أكثرَ ممّا سرنا ).وهناك مقوّم آخر من مقوّمات المأساة  حرص الشّاعر على إبرازه هو التّدمير الذّاتيّ الذي يمارسه الإنسان  بخوضه منذ بدء الخليقة حروبا لا تنتهي ضدّ أخيه الإنسان ( الهيجان الذي يزحف  نحو الشّواطئِ المضرّجةِ بالدّماءِ ) والذي كانت نتيجته   إغراق العالم في وضع توتّر دائم (الكوكبٌ يعرفُ دماءَه –  عندما ينتابُ الحروبَ القلقُ/ يُتَعلّم المستقبلُ /بتنفّسِ أيّامٍ حالكةٍ).

ولقد جاء التّعبير عن هذه المأساة  في المستوى المعجميّ على هيئة شبكتين دلاليّتين مدار الأولى  على الجوّ الكارثيّ السّائد في العالم والأخرى  على ضعف الإنسان الفادح  الماثل في عجزه عن وضع حدّ للمأساة .التي يعيشها.

و ضمن هذه المشهد العامّ المرعب يتنزّل الموضوع المخصوص الذي طرقه الشاعر في هذه القصيدة (من طعم غامض لمضاربةٍ بالبشرٍ)والذي تتعلّق به شبكة دلاليّة ثالثة تتألّف من الألفاظ التي ترتبط دلالاتها بالمياه (بحر- محيط –موجة –قارّة – نهر-جسور- شاطئ-  ضفّة ).وهذه المجموعة من الكلمات تشير إلى النّواة الدّلالية للقصيدة وهي مشكلة المسافرين غير الشّرعيّين الراهنة التي هي محلّ مزايدات بين القوى العظمى لتحقّق كل منها أهدافا سياسيّة  ضد الأخرى تحت غطاء الانشغال بقضيّة  إنسانيّة .

أسلوبيّا يكمن عنصر القوّة في هذه القصيدة، كما في جلّ قصائد الشاعر السابقة ،  أوّلا في قدرته على توليد عدد لا  يكاد يحصى من الصّور المبتكرة انطلاقا من موضوع  مفرد ، مثلما نرى هنا في كلّ  مقطع  تقريبا  ثانيا في نزعته الثّابتة إلى تكثيف المعاني الحافّة  على حساب المعاني القاموسيّة.

  •  

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*