أرشيف تعاليق محمّد صالح بن عمر النّقديّة على الشّعر:8 : قصائد ديديي هيبون : 8- 1: من المؤسف

ديديي هيبون

10346382_480271298769451_4526752095915277429_n

من المؤسفِ

أن يبكيَ الطّفلُ

حين يطلعُ النّهارُ

كما لو أنّه يحسُّ بالضّيقِ

وهو يرى ألحِفَةَ  اللّيلِ

تغطّي فراشَه بأحلامِه

من المؤسفِ أن يبكيَ

وقد انتابهُ الخوفُ  

من أن يبقى وحيدًا

من أن يواجهَ وحدَهُ

وحشَ كابوسِهِ

ومع هذا يقول القسُّ  :

يا ابني

يا ابنتي

الأمرُ هيِّنٌ

الأبُ  هنا معكما

وسيكونُ معكما

ما دمتُما تتنفّسان

كما أتنفّسُ

نَمْ نَمِي من جديدٍ

فالحياةُ جميلةٌ

مهما كان الألمُ

الذي تقاسيانه فيها   

 

تعليق : محمّد صالح بن عمر :

 

 

بعد أن مارس صاحب هذه القصيدة لفترة طويلة النّصّ النّثريّ الشّعريّ الذي يتألّف من فقرات لا من أبيات  ثمّ القصيدة المطوّلة ذات الشّكل العموديّ النّحيف المتأتّي من التّقصير المفرط للأبيات ها هو ينتقل إلى تجريب لون ثالث .وهو الشّعر الحرّ  مجسّدا في القصيدة المتوسّطة الطّول ، كما لو أنّه في كلّ مرحلة من مراحل مسيرته يحتاج إلى استخدام نمط معيّن من أنماط التّعبير الشّعريّ يراه  متماشيا إمّا مع درجة النّضج التي بلغها أو مع شواغل وأسئلة جديدة لم تكن تخامره من قبلُ.

على أنّنا لو تأمّلنا هذا النّصّ جيّدا للاحت لنا فيه الهموم والوساوس نفسها التي اعترت صاحبه دائما  التي لم ينفكّ يشكو منها منذ أن عرفناه سنة 2009.ومن هذه الهموم والوساوس القارّة الملحّة شعور بالخوف لا ينتهي من العزلة .وهي عزلة ترجع بداياتها إلى عهد الطّفولة لمّا اضطر إلى مغادرة مسقط رأسه جزيرة الغوادلوب و الحلول بمدينة باريس ،تلك التي أحسّ فيها منذ الأيّام الأولى  بالتّهميش والعجز عن التّأقلم مع أجوائها و  تبنّي نمط العيش السّائد فيها .وهذا الشّعور ، في الحقيقة، هو  شعور  عامّ ينتاب كلّ وافد جديد على أيّ مدينة من مدن الغرب الكبرى .لذلك يمكن اعتباره  شعورا بالاغتراب  لا مجرّد عزلة جسديّة في المكان .ولعلّه، لهذا السبب، قد توّلد عنه لدى الشّاعر إحساس بالإهمال ذو طابع وجوديّ  (وقد انتابهُ الخوفُ/  من أن يبقى وحيدًا/ من أن يواجهَ وحدَهُ/ وحشَ كابوسِهِ )يذكّرنا بعض الشّيء بهذا القول الشّهير للفيلسوف الفرنسيّ بلاز بسكال : “على شاكلة الإنسان الذي يفتقر إلى الضّوء، المستسلم لنفسه كالضّالّ طريقَهُ في هذا الموضع المعزول من الكون الذي لا يعرف من جاء به إليه ولا ما عليه أن يفعله فيه  وما هو مصيره بعد الموت .فينتابني الخوف كما لو أنّي رجل نُقل – وهو نائم – إلى جزيرة خالية من السّكّان، مرعبة وحين نهض من نومه لم يدر ما حلّ به ولم يجد أيّ وسيلة يستعين بها على الخروج من ذلك المكان ” . ومن ناحية أخرى حرص الشّاعر في القسم الثاني من نصه – وهو كما عهدناه شديد الإيمان بالله –  على التّذكير بالرّؤية الدّينيّة للحياة .وهي أنّ الحياة الد”نيا لا تخلو من المباهج على الرغم من الآلام التي تسبّبها للإنسان .

ختاما يمكن القول إنّ هذه القصيدة  تمتاز بالخفّة  والرشّاقة رغم عمق أبعادها  النّفسيّة والفلسفيّة وتقدم لنا صورة حيّة مؤثرة لذات تكابد آلام الوحدة في محيط حضري فاقد للإنسانيّة .

 

2 تعليقان

  1. Mohamed Salah Ben Amor

    Ema Issa
    فالحياةُ جميلةٌ

    مهما كان الألمُ
    ….جميل هذا التفاؤل رغم المعاناة التي مر بها الشاعر، شكرا للترجمة دكتور ، كان تحليل النص رائعا ، سلط الضوء على الكثير من جوانب النص ..لكما تقديري

  2. Mohamed Salah Ben Amor

    Sayf Mansor
    النص راق لي جدا وكنت حريصا وانت تنصت إلى روح النص، مستكشفا تضاريسه البنائية الداخلية وعوالمه الدلالية.، شكرا للمشاركة استاذ محمد وشكرا لهذا الجهد وهذا القطاف..

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*