كشّافُ القصائدِ : شعر : جوسلين مورياس – شاعرة مارتينيكيّة

480992_3645892309170_1347023453_n

جوسلين مورياس

slide_8

عينُ كشّافِ القصائدِ

تُديم النّظرَ  في الورقةِ الجامدةِ

وأذنُهُ تنصتُ بلا انقطاعٍ

إلى التّيّاراتِ الهوائيّةِ

يتجذّرُ في المساربِ

تجذّرَ حبّةِ

المُرونةِ الرّشيقةِ

و تجذّرَ ظلِّ البديهياتِ المتمرّدِ

كشّافُ القصائدِ

يتذّوقُ خلجانَ  المتعذَّرِسَبْرُهُ

اللاّذعةَ

 حولَ دوائر التّشرّدِ

لم ينفكَّ الكشّافُ

يفرِّقُ الكلماتِ المتناثرةَ

خيطًا خيطًا

خيطًا ذُكوريّا وخيطا أنثويا

من خيوطِ أريانَ .

 

تعليق : محمّد صالح بن عمر :

 

إنّ لهذه القصيدة القصيرة التي قد يجدها بعض القرّاء عادية فلا تلفت ،لهذا السّبب، انتباههم أهمّيّة بالغة في تقديري لكون الموضوع الذي تطرفه من موضوعات السّاعة، إذ تنكبّ على دراسته علوم حديثة تماما  منها علم الجينات في صورته المتطوّرة وعلم العرفانيات وعلم العصبيات .ولكن لمّا كانت العلوم بوجه عامّ تكتفي لأسباب منهجيّة بتحليل المظاهر الخارجيّة للظواهر التي تدرسها فمن المفيد أن ننصت إلى شهادات الفنّانين ومنهم الشعراء  في شأن هذه الظّاهرة  الغامضة الملغزة التي يرتبط بها نشاطهم ارتباطا وثيقا طيلة مسيرتهم الفنّيّة والتي يتحدّد بمقتضاها مدى نجاحهم أو فشلهم كلّيّا أو جزئيّا.

فحسب صاحبة هذه القصيدة  يأتي الإلهام من مصدر مجهول وربما بعيد .لذلك يحتاج  الشّاعر  إلى إرخاء أذنيه ليلتقط ضرب من الموجات المنيرة تولّد في ذاته أحاسيس وأفكارا وصورا لم يعهدها من قبل  (عينُ كشّافِ القصائدِ/ تُديم النّظرَ  في الورقةِ الجامدةِ /وأذنُهُ تنصتُ بلا انقطاعٍ/

إلى التّيّاراتِ الهوائيّةِ).ومن ثمّة فإنّ الشّاعر، بفضل  ما يتمتّع به من ملكات مطواعة لا تُختَزل في المفكّرة وحدها  تلك التي هي أداة رجل العلم الرّئيسة بل تشمل أيضا المخيّلة والحساسية والحدس – وهو ما  جعل الشّاعرة ترى فيه بذرة الطّواعيّات الرّشيقة – ، يتحدّد موقعه على هامش المعروف والبديهيّ (ظلّ البديهيّات المتمرّد ).أمّا البحث الذي ينهمك فيه فبدلا من أن يسلك طريقا مستقيما، مرسوما مقدّما، مثلما هو الحال عند رجل العلم،  يتقدّم على نحو متقطّع  ،عشوائيّ، شبيه في ذلك بالتّطواف على غير هدى (خلجان  المتعذَّرِ سَبْرُهُ/ اللاّذعةَ حولَ دوائر التّشرّدِ ) ما دام الهدف الذي يرنو إليه يخرج تماما عن إرادته و يتوقّف كلّيا على هذا الإلهام . أمّا إذا نزل الإلهام فلا يبقى للشّاعر عندئذ إلاّ أن يحسن التّصرّف في الكنوز التي وٌهب إيّاها ، باستغلالها على النّحو الأمثل، في عمل إبداعيّ رائق، شائق (لم ينفكَّ الكشّافُ/ يفرِّقُ الكلماتِ المتناثرةَ / خيطًا خيطًا/ خيطًا ذُكوريّا وخيطا أنثويا/من خيوطِ أريانَ) .والخطاب اللّغويّ الفنّيّ الذي ينشئه  أي القصيدة والذي لا أحد يعلم من أين جاءه  – يوفّر له المتعة  (يتذّوقُ )وفي الوقت نفسه يساعد الإنسانيّة على فكّ جانب ولو يسير  من سؤال وجودها.

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*