أبنَاء َالقَذارَةِ شعر : نويسلا بيونق – دوالا – الكامرون

11026092_10202672908824137_1096103223780156114_n

لم يعدْ لدى الكائنِ المعاصرِ

حبٌّ للأخلاقِ ولا للعدلِ

الإفلاسُ المُغيرُ آلةٌ شرسة

تراوغُ وتختلسُ وتحطّم

ثمّ تسحَقُ كلَّ شيءٍ

تحوّلُ الشّاذَّ إلى مواصفةٍ قاتلةٍ

 

قِطعٌ من اللّيلِ غريبةٌ

تعُفِّنُ هذا النّهارَ المُنطفئَ

الذي يخيبُ فيه الأملُ المنكسرُ

 

لهذيانِ أبناءِ الدّناءةِ  

ألسنةٌ طويلةٌ لزِجةٌ

تختطفُ القريبين منها والمفتونين

بمنافِذَ هوائيّةٍ غريبةٍ

أطرافُها تمتصُّ

الحَصافةَ ورَجاحةَ العقلِ

ولا تفلتُ منها

ولو قطرةٌ واحدةٌ من اللُّبِّ الحيويِّ

 

الفاسدون يحملون المَهانةَ في قلوبِهم

يقودون ما تبقّى من إنسانيةِ الإنسانِ

إلى التَّلفِ

ليملأَ العفنُ الذي يختزنونه   الكونَ    

 

تعليق : محمّد صالح بن عمر:

 

 تنتمي جلّ قصائد الشّاعر الكامرونيّ ينويسلا بيونق   إلى ما يمكن تسميته ” شعرّا فكريّا” أو”شعر تفكير” .والفكرة الأمّ أو الرّئيسة  التي عليها مدر نصوصه هي  العلاقة الإشكاليّة القائمة بين ما أضحى اليوم يسمّى ” الجنوب” – وكان يطلق عليه في زمن الحرب الباردة ” العالم الثّالث”- وبلدان ” الشّمال” المتقدّمة .

هذا الصّوت الذي يصلنا من أعماق إفريقيا ، الشّديد الحساسية تجاه مظاهر التّفاوت بكل أنواعها بين البشر يدخل منذ البداية صلب الموضوع :فكلّ مصائب العالم اليوم في تقديره وخاصّة البلدان الفقيرة تنبع من مصدر واحد أوحد هو”الكائن المعاصر” الذي لا يسمح الشّاعر لنفسه حتّى باستعمال لفظ “الإنسان” في تسميته ، مكتفيا بهذا الكلمة ” كائن” التي تفيد كلّ ما هو موجود بما في ذلك الجماد.وسبب  الفقر المعنويّ  التي أصاب هذا “الكائن”  هو أنّه أفرغ نفسه من جوهرة الطبيعيّ الذي تحدّث عنه بإطناب الفيلسوف الفرنسيّ جان جاك روسو (1712 – 1753 ).وذلك من جرّاء خضوعه المرضيّ لنوازعه الغريزيّة لاسيما عشقه اللّهيف لمتاع الدّنيا،ذلك  الذي جعل منه “كائنا فاسدا” مستعدّا  للدّوس على جميع القيم الإنسانيّة لأجل حفنة من القروش . وبطبيعة الحال لا يتحدّث الشّاعر فقط عن الفاسدين الصّغار الذين نعترضهم في الحياة اليّوميّة بل في المقام الأوّل  كبار المحتكرين والمضاربين الذين يسمّيهم ” أبناءَ القذارة” ، أولئك الذين يدفعهم  جشعهم وما ينخر نفوسهم  من الحرص على  الرّبح السّريع وتكديس الثّروات الطّائلة   إلى بسط نفوذهم على المعمورة بأسرها فيمدّون الأذرع الأخطبوطيّة لشركاتهم المتعدّدة الجنسيّات إلى جميع أنحاء الكرة الأرضيّة حتّى  لا يبقى أيّ مصدر من مصادر الثّروة مهما كان   حجمه  بعيدا عن متناولهم.ولكي تستمرّ هيمنتهم الاستغلاليّة إلى ما لا نهاية له قد صمّموا على مقاسهم ثقافة مضادّة قائمة الذّات  يسمّيها بعض الباحثين ” ثقافة الهضم”  لقيامها على إثارة غرائز الجمهور وخلوّها من  أيّ مثل أعلى إنسانيّ .

وهكذا فإنّ هذه القصيدة بمنزلة صرخة مدوّية  ضدّ “النّظام العالميّ الجديد” الذي ليس في جوهره سوى فوضى والذي أوّل ضحاياه شعوب البلدان الفقيرة ومنهم الأفارقة.

أسلوبيّا استثمر الشّاعر إلى أقصى حد ممكن في مستوى الصّور جماليّة القبح وفقا لمقولة الرّسام الفرنسيّ بول قوقان  ( 1848 – 1903) “يمكنٌ للقبيحِ أن يكونَ جميلاً .أمّا الجميلُ فمحالٌ “( آلةٌ شرسة /تراوغُ وتختلسُ وتحطّم/

ثمّ تسحَقُ كلَّ شيءٍ – لهذيانِ أبناءِ الدّناءةِ/  قِطعٌ من اللّيلِ غريبةٌ/

تعُفِّنُ هذا النّهارَ المُنطفئَ – ألسنةٌ طويلةٌ لزِجةٌ/تختطفُ القريبين منها والمفتونين/بمنافِذَ هوائيّةٍ غريبةٍ/أطرافُها تمتصُّ/الحَصافةَ ورَجاحةَ العقلِ/

ولا تفلتُ منها/ولو قطرةٌ واحدةٌ من اللُّبِّ الحيويِّ).

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*