” نصفُ بيمولٍ من مَقامِ الرّستِ* “(1) للشّاعر التّونسيّ سعيف علي الظريف و رحلةُ البحثِ عن الذّاتِ في عالمِ الأشياء : محمّد صالح بن عمر

سعيف علي الظريف

1965074_844943768864500_1390119111_n

على الرّغم من أنّ الشّاعر التّونسيّ سعيف علي  عمريّا من جيل التّسعينات فقد ظلّ اسمه غير متداول في الوسط الأدبيّ التّونسيّ حتّى نهاية العشريّة الأولى من هذا القرن. فلا أذكر أنّي قرأت له  قبل هذا التاريخ نصّا في مجلّة أدبيّة تونسيّة أو سمعته يقرأ قصائده في أمسية  من الأمسيات  الكثيرة التي شهدتها بمختلف أنحاء البلاد بما في ذلك  مسقط رأسه دار شعبان الفهريّ من ولاية نابل ولا المدينة التي يقيم فيها وهي سوسة ، كما أنّي لم أسمع أحدا من الشّعراء والكتّاب الذين أعرفهم يذكره .

ولعلّ لهذا التأخّر في الظهور أسبابا قاهرة هو أدرى النّاس بها . لكنّ المتأمّل في نصوصه يدرك أنّه ليس من المبتدئين الذين يتدرّبون على الكتابة الشّعريّة  استسهالا منهم ركوب هذا الفنّ العسير وإنّما يَصْدُرُ عن معاناة حقيقيّة تلوح في ما يبذله من جهود مضنية في العدول على صعيد كلّ عبارة عن الكلام العاديّ المبتذل والخطاب المباشر الفجّ والمجاز الميّت المتحجّر،  مقابل تكثيف الدّلالات الإيحائيّة وتطريز السّياق الكلاميّ بألوان مربكة من الصّور الشفّافة المباغتة . وهذا ما لفتني شخصيّا  سنة 2011 عند اطّلاعي لأوّل مرّة  مصادفةً على نصّ له منشور بإحدى الصّحف اللّبنانيّة . فلم أتمالك عن التّعليق عليه منوّها وقد حسبت صاحبه  – والحقّ يقال – شاعرا مشرقيّا لاسمه غير المتداول في تونس ، إذ هو التّونسيّ الوحيد الذي يحمل اسم ” سعيف ” من الذين عرفتهم طيلة حياتي وقد مرّ بي آلاف من تلاميذ الثّانويّ وطلبة الجامعات، فضلا عن معارفي في محيطي الاجتماعيّ . وهكذا لم أعلم أنّه تونسيّ إلا بعد أن قرأت له أربعة أو خمسة نصوص أخرى .

ومع تتالي القصائد والقصص القصيرة التي كان يمدّني بها عن طريق الشّابكة – وهي مكتوبة كلّها بأسلوب واحد ومهجة واحدة  تقريبا –  ثبت لي أنّه ليس من أولئك التّقنيّين الحاذقين لصناعة الشّعر المنثور تنظيرا وتطبيقا ،  تلك التي لا تختلف  في حدّ ذاتها عن نظم  الموزون من حيث التكلّف والافتعال وإنمّا يصدر عن رؤية خاصّة  قارّة واضحة المعالم  من ذلك الصّنف  الذي  متى أمسك به القارئ قاده إلى  مناخ شعريّ متكامل . وهذا هو الشّرط الثّاني للإبداع . ومحال أن يتوفّر في ما يكتبه الصّانع المتصنّع .

فما هي معالم  المناخ الشّعري في قصائد سعيف علي  التي جمعها في هذا الكتاب الأوّل الصّادر له  في تونس سنة 2011 بعنوان نصف بيمول من مقام الرّسْت ؟  وما هي الخصائص الإنشائيّة لمجموع هذه القصائد؟

يصدر الفعل الإبداعيّ عامّة عن منطقتين متقابلتين من الكيان الذّهنيّ النّفسيّ للإنسان هما منطقتا الوعي واللاّوعي . فما يصدر عن الوعي يكون إراديّا مقصودا وما ينبع من  معين اللاّوعي يجيء عفوياّ تلقائيّا . وإذا نظرنا إلى مجموع نصوص سعيف علي من هذه الزّاوية تبيّن لنا أنّ النّوع الأوّل أقلّ حضورا  فيها بكثير من النّوع الثّاني .

ففيم يتجسّذد هذا القليل وذاك الكثير  ؟ وما هي خصائص كلّ منهما ؟

1-الذّات الشّاعرة الشّاعرة في مرآة ذاتها :

في الحالات القليلة التي سعت فيها الذّات الشّاعرة إلى  تمثّل نفسها  بدت الصّورة التي رسمتها لذاتها مطابقة إجمالا لمواصفات الفناّن الحقّ ذي التّجربة الأصيلة .وهي أوّلا الانفلات من إسار الرّؤى الكلاّنيّة الأحاديّة البعد التي يخيّل  إلى أصحابها  أنّهم يحصرون  في نطاقها الكون بأسره وينفذون إلى صميمه كاشفين النّقاب عن كلّ أسراه على نحو جليّ  فائق الدقّة . وفي  عكس هذا يقول الشّاعر مخاطبا نفسه  :

أنتَ غَبَشٌ مُعلًّى

( المصدر نفسه ص 17 )

والغبش لغة هو ما بين النّور والظلمة  . فلا هو بضوء ولا هو بظلام وإنّما بين بين . وفي ذلك كناية عن الغموض والضبّابيّة وما يرتبط بهما من شكّ وريبة .

والصّفة الثانية التي تصف بها الذّات الشّاعرة نفسها هي السّذاجة  . والمقصود بها السّلامة من مرض   جنون العظمة * الذي يتجسّد في  تقدير مغالى فيه للذّات نابع من غرور بلا حدّ . و  الفنّان الحقّ  معافى بطبعه  من هذه العلّة  لكونه مسكونا بحيرة دائمة تجعله  ينظر إلى ذاته و إلى الآخر والكون نظرة عفويّة نقيّة من أيّ أفكار مسبّقة ،  نظرة  تنساب طليقة خارج كلّ  الخطوط المرسومة والأطر المُسيّجة .

يقول الشّاعر  في هذا المعنى :

” سنُلْبِسُكَ اسمًا آخرَ ونشنقُكَ بربطةِ العنقِ الرسميّةِ بعد أن امتلأتَ بغفلةٍ مضحكةٍ “

( المصدر نفسه ص 28 )

والصّفة الثّالثة هي الحلم بالمستحيل و ما يتّصل به من الأخذ باللاّمنطق  . وهو ما يلوح مثلا في قوله :

ذلك العصفورُ

ألا يريدُ الطّيرانَ

لقد مللتُ اللّوحةَ المعلّقةَ في غرفتي

( المصدر نفسه ص 21 )

وقوله :

كونُ الكونِ مربّعا

لا يمنعُكَ من أن تعتبرَه مدوّرًا

(المصدر نفسه ص 7 )

أمّا علاقة الشّاعر باللّغة فموقعه منها هو  الانتصاب وراء شبكات قواعدها  لا أمامها . وذلك لكي   يوجّهها  بدلا من أن توجّهه . و صورة هذا التّوجيه أن يُصرِّفَ الكَلِم على أنحاء تختلف عن التي يسلكها المتكلّم العاديّ  .

يقول في هذا الشّأن  :

الشّاعرُ جاسوسٌ على  الكلامِ

(المصدر نفسه ص 35 )

ويقول مخاطبا نفسه  :

أَطِلْ مكوثَكَ في المجازِ

(المصدر نفسه ص 48 )

إنّ هذا التصوّر للشّاعر ودوره هو التصوّر التّسعينيّ له . وقد كان قبل ذلك يلتبس في الأذهان بالخطيب السّياسيّ والدّاعية الإيديولوجيّ  ومدرّس الشعر والباحث فيه . وهو ما يجعلنا نلحق  صاحب هذه المجموعة بشعراء التّسعينات على الرغم من أنّ صوته قد  تأخّر عنهم  في الظهور بقرابة العقدين .

2- الذّات الشّاعرة في مرآة خطابها :

حين ننظر الآن إلى شعر سعيف علي من زاوية ما يصدر فيه عن اللاّوعي بتعقّب الدّلالات الحافّة وتأويل الرّموز النّمطيّة *– وهي التي تكون في الغالب غير مقصودة – تلوح لنا ثلاث صفات أخرى للذّات الشّاعرة إمّا هي غير واعية بها وإمّا على العكس واعية بها لكنّها تجهد النّفس لأجل  إخفائها و التكتّم عليها  . وهي هشاشتها النّفسيّة البالغة   وإحساس قويّ  لديها بالتفرّد  ولواذها على نحو مكثّف بالحلم  لغرض التّنفيس والتّفريج والتّعويض .

2-1: هشاشة نفسيّة * بالغة :

إنّ اللّون الذي يكتب فيه  سعيف علي هو بوجه عامّ ما يعرف ب ” شعريّة الأشياء ” * . وهو ضرب من الكتابة الشّعريّة أسّسه الشّاعر الفرنسيّ فرانسيس بونج ( Francis Ponge ) ( 1899 – 1988 ) . ويوجد في صلب هذا اللّون  ضربان مختلفان: الأوّل تقنيّ بحت يتحقّق بالتقاط الموحي  والمفارق  من تفاصيل الأشياء دون أن يكشف النّظر إلى مجموع ما التُقِط عن خلفيّة متّسقة من أيّ نوع كان . والضّرب الآخر هو أن تكون رؤية الشّاعر في أثناء ذلك صادرة عن هموم نفسيّة أو شواغل  فلسفيّة قارّة تسم أسلوبه بطابع خصوصيّ لا يغيب عن القارئ المتمعّن المتثبّت .

و إلى هذا الضّرب الثاني ينتمي أسلوب سعيف علي في جلّ ما  أودعه في هذه المجموعة  وحتّى ما لم يودعه فيها  من نصوص ممّا أتيحت لنا فرصة الاطلاع عليه . و أجلى ما يجمع بينها أنّها نابعة من بنية نفسيّة  قارّة واضحة المعالم لعلّ أبرز سمة فيها هشاشة بالغة يترجم عنها إحساس قويّ بالإحباط *  .ويتجلّى هذا الإحساس في صور شديدة التنوّع نكتفي لضيق المجال بالإشارة إلى بعضها .

إنّ أشدّ هذه الصّور تواترا في المجموعة هي صورة الذّات الشّاعرة المفعول بها . ويكون الفعل المسلّط عليها إماّ صادرا عن الأشياء أو الأشخاص المتّصلين بها أو القريبين منها . فالسّاعة اليدويّة  “تمسكُ الشّاعرَ من يدِه وتقودُه إلى ظلِّهِ ” ( ص 10 ) والشّجرة ” يناديه ظلُّها ” و”تقسمُ إنْ هو قرُبَ منها أن تقبضَهُ عندَها إلى حينِ قطافِ الثّمارِ ” ( ص 28 )  والمرأة التي عشقها لم  تبادله العاطفة ذاتها.

وفي هذا يقول: ” لم تأسفْ لطول هيامِكَ بامرأةٍ لم تكنْ تحبُّكَ ” ( ص 18 ) . والبائع المتجوّل يحتال عليه فيبيعه آلة تصوير مسروقة  فإذا هو مُلاحَقٌ ومحلُّ تتبّعٍ عَدّليٍّ  ( ص 78 )  . والشّمس تقهره  بأن ترفض “ أن تقبلَ منه عذرًا وأن توقدَ في سمتِهِ وجهَ الدّفءِ ” ( ص 100 ) .

و من مظاهر الهشاشة النفسيّة أيضا التي تعاني منها الذّات الشّاعرة مركّب النّقص . وهو يلوح في الشّعور بالقبوع في الأسافل القذرة  و  في الإحساس بالسّطحيّة والخواء والفقر الدّاخليّ . يقول في هذا :

قالتْ تعاركُني

لن تكونَ عاليًا

فقدمُك التّرابُ ولو ارتفعْنا

فلا تبرحْ مكانَكَ في رائحةِ السّمكِ العفنَةِ

( المصدر نفسه ص 14 )

لن يعطيكَ الأفقُ خطَّ وصلٍ للسّماءِ

فلا أنتَ بحرٌ ولا أنتَ ذاكَ السّحابُ

( المصدر نفسه ص 17 )

2-2: شعور قويّ بالتفرّد :

لكن بقدر ما يكشف خطاب الشّاعر عن هذه الهشاشة النفسيّة الحادّة التي تجعلها تتلقّى على نحو شبه قارّ الضّربات الموجعة من القدر أو من المحيط الخارجيّ   دون أن تردّ الفعل –  وهي إن شئنا صفة البطل المضادّ أو القمريّ –  فإنّه يحدوه مقابل ذلك إحساس قويّ بالتفرّد . وهو ما يفصح عنه عنوان المجموعة ” نصفُ بيمولٍ من مقامِ الرّستِ ” طبقا للشّرح الذي أورده له في بدايتها ( 3 )  وهذا الشّعور  عرفانيّا  علامة من علامات الرّوح الإبداعيّة التي تتحدّد في النّزوع الدائم إلى الاختراع والابتكار  لا إلى  مجرّد الجودة في إطار الوفاء للأنماط السّائدة .

ومن الأقوال الكثيرة جداّ التي  تشي بوجود هذه الرّوح  نقتطف الأمثلة التّالية :

ربمّا لأنّي أمارسُ طقسًا غريبًا على مساحةِ الملكيّةِ المتاحةِ في ورقٍ أبيضَ رخيصٍ  كان بإمكاني أن أستدعيَ كلَّ مساءٍ بعضَ العابرينَ  أرتكبُ معهُمْ  النظر في كلماتٍ لا تستوي في قالبِ النّحوِ والصّرفِ لأنّي بقدرِ ما كنتُ أمارسُ ملكيّتي وجمهوريّتي كنتُ أشطبُ كما تعلّمتُ في المدرسةِ كلَّ الأفعالِ النّاقصةِ التي لا تستوي معَ اكتمالِ البدرِ في قصيدةٍ قديمةٍ ” .( ص 26 )

ما الذي يجعلُ شجرةً وحيدةً تصارعُ بقاءَها في حيٍّ متقادمٍ غادرَ فيه آخرُ العصافيرِ صوتَهُ؟ ” ( ص 33 ).

3- الخصائص الإنشائيّة لقصائد المجموعة  :

إنّ الفكرة  الأولى التي تحصل للمطّلع على هذه المجموعة هي أنّ لصاحبها قدرة فائقة على  إنشاء الصّور المباغتة المربكة التي لا تكاد يخلو منها أيّ مقطع في القصيدة الواحدة . ولعلّه لهذا السّبب سمّى نصوصه ” مواربات ” إذ المواربة لغة هي المداهاة والمخاتلة (2 ). وهو ما يدلّ على إدراكه المفهوم الصّحيح للإبداع الشّعريّ الذي يحصره  الكثيرون في  سلامة اللّغة  واستقامة الوزن ووضوح المعنى  لاسيّما مدرّسو الشّعر والباحثون فيه والمتطفّلون عليه من غير الموهوبين  والذي هو على عكس ذلك ملكة ولاديّة قوامها الحساسيّة الجماليّة المفرطة والقدرة التخيّلية الخارقة والحدس القويّ المرهف . وهذه الملكة لا تكتسب بالتمرّن وانّما  يصقلها التّدرّب ويهذّبها متى  توفرّت .

ولنستعرض في ما يلي بعض الوقدات الذّهنيّة  اللّطيفة التي تفتّقت عنها مخيّلة الشّاعر .

فمن باب الابتكار مطلقا  مثلا  فكرة عودة  الدّخان إلى النّار التي انبثق منها  كما جاء في هذا القول :

” افتحْ عقيرتَكَ .  ثمّةَ دخانٌ على الرّابيةِ ينتظرُ الصّوتَ المدويَّ ليعودَ إلى النّارِ التي صنعتْ له لباسًا جديدًا ” ( ص 31 ) وكذلك إخفاق المرآة في عكس صورة المارّين من أمامها . وفي ذلك يقول : ”  رغمَ مرورِنا كثيرًا أمامَها فشلتِ المرآةُ في رؤيتِنا ”  ( ص 98 )

و مثلهما   صور إلباس  المجرّة أقراطا ذهبيّة ( 101 )والجريان على حبّة رمل ( ص 27 ) ودخول سحابة فصل الشّتاءَ بلا معطف ( ص 27 ) .

و إلى جانب  قدرة الشاّعر  على  إنشاء مثل  هذا النّوع من الومضات المفردة يتمتّع ببراعة أخرى لا تقلّ عنها أهمّية .  وهي صياغة الصّور المركّبة من صور  مفردة على نحو فائق الدّقة . وذلك   مثلما يَبِين لنا  من هذين المثالين

3-1:المثال الأوّل :

الحسناءُ التي تصرُّ على الكتابةِ بالقلمِ اللّبديِّ على جبيني عليها أن تجلسَ على الأفقِ قليلاً وتملأَ كأسًا من برزخِ البحرِ يكونُ أعلاهُ سكّرًا لأنّي سأكونُ حينَها قد ارتكبتُ خطأَ القمرِ وتشبّثتُ بمدارِ الأرضِ

( المصدر نفسه ص 47 )

إنّ الصّورة عند المنطلق في هذه الأليقريا أي الحكاية الرمزيّة  مفردة. وهي كتابة الحسناء بالقلم اللّبديّ على جبين الشّاعر.  لكن  تضاف إليها في مستوى المأمول أربع  صور عجائبيّة من جنس الخيال العلميّ .  وهي جلوس تلك الحسناء على الأفق  / وملؤها كأسا من برزخ البحر / و إخطاء الشّاعر القمر  / وتشبّثه بمدار الأرض .

ومماّ  هو جليّ  يتأتّى الإبهار  هنا من القدرات العجيبة لهذه الحسناء التي تفوق القدرات البشريّة واكتساب الشّاعر بعضا منها بفعل المجاورة .

3-2:المثال الثّاني :

على دمعِ صنوبرةٍ جاءتْ سحابةٌ بالشّمسِ . جلسا يفسّرانِ خبرَ الجفافِ  بينما أقفلَ القمرُ الدّائرةَ . لكنَّ شيئًا غريبًا حدثَ . فقد اكتملَ المعنى للمرّةِ الأولى في برتقالةٍ حلمتْ بها أغصانُ الصّنوبرةِ ” .

( المصدر نفسه ص 104 )

لقد صاغ الشّاعر هذه الومضة  أيضا على هيئة أليقوريا تتألّف من وقائع خاطفة ، كلّ  شخصيّاتها من عناصر الطّبيعة  . وهي الصّنوبرة والسّحابة والشّمس والقمر والبرتقالة . وقد أقام بين هذه الشّخصيات علاقات متنوّعة   بإسناد أفعال ووظائف بشريّة ( البكاء والقدوم والجلوس والكلام والحلم ) إليها.

ويتحدّد الإبهار هنا في موضعين : الطّابع العجائبيّ للحكاية في حدّ ذاتها والصّورة المباغتة التي ختمها بها . وهي حلم أغصان الصّنوبرة بالبرتقالة التي اكتمل فيها المعنى . و مثلما نرى لا تكشف هاتان الصّورتان المركّبتان عن قدرات في التخيّل فحسب بل عن امتلاك  حسّ جماليّ مرهف  أيضا .

 

خاتمة

إنّ هذه المجموعة لسعيف علي على الرّغم من كونها العنوان الأوّل لصاحبها وتأخّرها في الظّهور  قياسا بسنّه لتنطوي على محاولات في الكتابة الشّعرية تفرض الاحترام  .وذلك  بفضل صدوره فيها عن  بنية ذهنيّة نفسيّة  عميقة ورؤية للذّات والآخر والكون واللّغة متميّزة وإدراكه المفهوم الصّحيح للإبداع الشّعريّ الذي يقوم على النّزوع الدّائم إلى الابتكار والاختراع لا إلى مجرّد تحقيق الجودة  طبقا للمفهوم المدرسيّ الشّائع .

ومماّ لا شكّ فيه أنّ هذه المحاولات الرّائقة يمكن أن تكون بذورا لتجربة قائمة الذّات إذا استجابت  مستقبلا لشرطي التّراكم الكافي  والتعمّق التّصاعديّ مع المزيد من العناية باللّغة التي تشوبها في بعض الأحيان هفوات في النّحو والرّسم  خاصّة . وهو ما لا نخال الشاعر إلا قادرا عليه . وهذا ما يجعلنا  نتفاءل بميلاد صوت شعريّ  قادر على احتلال مكان له  إلى جانب الأصوات المتميّزة تونسيّا وعربيّا .

الهوامش :

  • سعيف علي ، نصفُ بيمولٍ من مقامِ الرّستِ ، على النّفقة الخاصّة ، تونس 2011
  • ابن منظور ، لسان العرب ، باب الباء فصل الواو
  • سعيف على ، نصفُ بيمولٍ ص 5

مصطلحات :

  • الرّست : يعرّفه الشّاعر كالآتي : ” هو مقام شرقيّ. فكلمة الرّست تعني المستقيم الحقيقيّ وهو يبدأ من العلامة دو – ري – مي – نصف بيمول – دو . ويعتبره بعضهم المقام الرّئيس في الموسيقى الشّرقيّة وأكثرها وضوحا في الشّخصية المعبّر عنها ”  . ( ص 5 )
  • جنون العظمة ( Paranoïa )
  • الرّمز النمطيّ (Archétype )
  • الهشاشة النّفسيّة ( Précarité psychologique )
  • شعريّة الأشياء (Poéticité des choses )
  • الإحباط (Frustration )

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*