موسيقا الإشارة لمحمد أسعد سموقان – اللاّذقيّة – سوريّة

– 1-
(جملو ياجملو .. ياعشيرة زماني ، خصرك دخيل العملو .. ملولح يالخيزاراني )…
_ 2  _
على الرصيف في سوق العنابة ، يقرفص    – أبو محمود – أمام دكانه الصغير،وكراسي الخيزران والقش تتوزع حوله، منها المنجزة المصفوفة فوق بعضها بعض  ومنها التي تنتظر دورها للإنجاز .
المشهد هو مشهد صانع الكراسي  الذي يميل برأسه يميناً ويساراً ويحرّك شفتيه  … يده اليمنى تتحرك إلى الأمام و إلى الخلف ،واليسرى تشد على القش نحو الأعلى و إلى الأمام ، وهو يثبِّت الكرسي بين قدميه ، وكلمات  : (جملو يا جملو ..) الخارجة من فمه تشكّل خلفية لهذا المشهد  وتتقاطع خطوط الكرسي مع بعضها بشكل متعامد وتدخل يدي صانع الكراسي ومن بين قوائم الكرسي المتعامدة والمتوازية فيشكل حركة مستمرة ومتناوبة .. أما أصابع اليد اليسرى لأبي محمود،فتشكل سطحاً يمسك مساحة المثلّث الذي يكوّ ن خطوط القش بالتدريج .. من القاعدة وحتى الرأس .
وتتكرر حركات الأشعة  المتتابعة والمتعاقبة .. والمتعاكسة أحياناً كلما تتطلّب الأمر شدّ القش ،
حتى تنتهي قاعدة الكرسي .
_ 3  _
أمام مشهد الحِرَفي – صانع الكراسي – تذكرتُ جواب ليوناردو دافنشي لأحد تلاميذه في الرسم ّ، حين سأله متى يصبح فنّاناً كبيراً ؟
قال : والكلام لدافنشي :
إذا رأيت َ شخصاً يسقط من الطابق السادس ، واستطعت َ أن ترسمه قبل أن يصطدم  بالأرض ،
تكون فناناً ماهراً .
بالطبع  ليس هذا القول من دافنشي لتلميذه ،إلا ليحرِّضه على التدريب والرسم اليومي ،بغية أن يتقن الرسم الواقعي ويصبح حرفياً ماهراً .
التدريب اليو مي والتكرار ،عمل تنفيذي يقوم به أي شخص وكالنجار الذي يصنع كرسيِّ القش،أو الطاولة المشابه’ مائة بالمائة للنموذج الأصلي ، وإن الذي يقوم بهذا الفعل هو حرفي ماهر ،ثمّ الحركات التي يقوم بها صانع الكراسي هي العلامات والنوتات الموسيقية للفعل ( صناعة الكراسي)  .
تركتُ سوق العنابة ،وما زالت موسيقا حركات صانع الكراسي  تخترق رأسي  ، وصلتُ إلى منزلي أو لنقل مرسمي – على مفرق بوقا –  ولم أكن أسمع صوت البلدوذر الذي يحفر في الشارع ..لقد طغت عليه الموسيقا الهادئة لأيدي صانع الكراسي ..
مسكتُ فرشاة الرسم ..ورحتُ أنظفها مما علق عليها من ألوان بالنفط والزيت ،لكن على سطح لوحة بيضاء جاهزة للرسم وبطريقة فيها الكثير من الفوضى ،والحركات العصبية لليد والروح ..فترسم خطوطًاً متعامدة ومتوازية ثمّ لولبية ومنكسرة ،وأشكالاً غير معروفة ..فيبدو البيت بقرة  والبقرة ضفدعاً ..
ابتعدتُ ورحتُ أراقب تلك الإشارات التي كوّنتها الصدفة ..أهي الإشاراتّ،أم الموسيقا الرتيبة التي دفعتني إلى فعل المغايرة أم هو التمجيد الدائم ( لخصر جملو ) ؟
–    4
إنه صدى الأشكال ..الذي يدفع إلى الحبّ والغضب  ..إلى الحلم والمغامرة ، فلا تأكلوا بمعالق لا تحبون أشكالها .
فربما تكون السبب بفشل علاقاتكم مع من تحبون
فطوبى للخطوط التي شكلت نسيج كرسيِّ القش ،
وطوبى لخصر جملو ( الخيزراني)5291

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*