محاولة في العثور على امرأة ضائعة :شعر: بشر شبيب – شاعر سوريّ من دمشق، مقيم في تركيا.

بشر شبيب

كانت على وشكِ الغياب

على وشكِ التساقطِ مثلَ أوراقِ القدر

خلف السحاب .. 

جميلةٌ حسناءُ أتعبها السفر

أرهقها الرحيلُ إلى الرحيل 

فمن محيطٍ تمشي حافيةَ

الأماني إلى محيط

من خطوها فوق الرمالِ المتعبةْ

ينمو الشجر .. 

تنمو الضفائرُ والزنابقُ والقمر .. 

يرنو لطقّةِ كعبها أهلُ البداوةِ والحَضَر 

في وجهها – ما أحلى التفاتةَ وجهها – 

غيمٌ.. شتاءٌ عابرٌ.. معنى جديد

من إبطها كانت بداياتُ المطر” 

قال المؤرّخُ لي .. 

وأعطاني الوثائقَ والصور 

 

كانت على وشكِ الغروبِ عندما قابلتها

كانت تفكّر في العدم

ما جدوى هذا العمرِ؟

ما جدوى الندم؟

حرٌّ هو الإنسانُ، عصفورٌ طليقٌ،

أم يظلُّ يُساقُ مغلولَ القَدم ؟

 

كانت تريدُ أن تطير

خلف البواخرِ للبعيد

لتعودَ طفلةَ أُمِّها 

لتعودَ يوماً للبعيد

لا شيءَ يقتلُ صمتها

لا شيءَ يُقلِقُ نهدها

لا شيءَ يمنعُ ما تريد

لا الإلهُ ولا الغرامُ 

ولا السجونُ ولا الحديد 

 

كانت تريدُ أن تكونَ مضيئةً ومضاءةً 

كنجمةٍ خلف السحاب 

كانت تريدُ أن تكونَ قضيّةً كبرى 

وعنقوداً من العنبِ المذاب

تريدُ رسمَ عيونها 

قمرين يشتعلانِ في وجهِ القمر 

 

كنجمةٍ سئمت كمالَ صفاتها خلف الغيوم

صارت تفكّرُ في العدم

قبلَ الغروبِ ولو دقيقة

ما جدوى هذا الكون، ما معنى اليقين 

ما لغةُ العصافيرِ القديمةُ قبلَ آلافِ السنين

ما الأماني، ما الكتابةُ، ما الموسيقى ؟

هل يا ترى من قبلنا، مشت الجبالُ، مثلنا، 

عندما كُنّا صغاراً باحثينَ عن الحقيقة ؟

وما عثرنا على الحقيقة

 

وأكملتْ:

 

مَن أنتَ يا مَن لا أراهُ إذ أراهُ 

مَن أنتَ يا مَن في الغيابِ

وإلى الغيابِ منتهاهُ

ومَن أنا ؟ 

أمِن هناكَ أم هنا؟

هل كنتُ في يومٍ سحاباً أم مطر

جسداً شتائيَّ الغرائزِ أم صور ؟

وغادرتْ أرضَ الخرافةِ 

غادرتْ أرضَ الضجر 

 

كانت على وشكِ الغياب 

على وشكِ التساقطِ مثلَ أوراقِ القدر 

خلف السحاب .. 

جميلةٌ حسناءُ أتعبها السفر 

قد ودّعتني بقُبلةٍ فوق الشفاهِ 

وضمةٍ كسرتْ وجودي

من الوريدِ إلى الوريد 

وغادرتْ من يومها نحو البعيد 

 

ولا خبر .. 

منها ولا حتَّى أثر

لأشهدَ أنها بشرٌ حقيقيٌّ 

قد كان يوماً ها هنا فوقَ السرير

حسناءُ أتعبها الرحيلُ إلى الرحيل 

ولا محطّاتٍ لراحةِ بالها

على طريقِ الهندِ أو دربِ الحرير 

لا شيءَ يحملها لتحملَ إسمها غيرُ السفر

حسناءُ مرّت من هنا يوماً

فهل تُراها حينَ ضمّتني إليها 

وطالبتني بالمضاجعةِ الأخيرة

ضاعتْ وضعتُ بها بدوري

ثمّ ضيّعتُ الأثر !!

___________________________

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*