ندوة تكريميّة حول الكاتب الكبير الصّديق الرّاحل سمير العيّادي : محمّد بن رجب- قليبية – تونس

محمّد بن رجب

محمد أمين العيادي ابن المرحوم سمير العيادي

أول نشاط ثقافي مهم في سنة2021 تمثل في ندوة أدبية نقدية من الطراز الرفيع حول الكاتب الراحل سمير العيادي بعد مرور حوالي اثنتي عشرة سنة على وفاته نظمتها دار إشراق للنشر،بالتعاون مع مجلة “مشارف” الأدبية الألكترونية المتميزة بإشراف الكاتب والناقد والباحث محمد صالح بن عمرالذي أصبح من أهم الناشطين والمبدعين في الحياة الثقافية لتفرغه الكلى لخدمة الأدب التونسي والرفع من شأنه وإعلاء كلمته في كل الآفاق بما فيها الأفق العالمي إذ يتولى منذ سنوات عدّة ترجمة الشعر التونسي إلى اللغة الفرنسية للتعريف به في الخارج مع ترجمة شعر عدد من شعراء العالم إلي العربية للتعريف به في تونس والبلاد العربية لإثراء التجارب وإحداث تلاقح مخصب للإبداعات والتبادل بين المبدعين…

مع العلم أن هذه الندوة هي الرابعة في سلسلة   استهلت بندوة عن الشاعر الراحل عبد الله مالك القاسمي(جانفي/يناير 2018)تبعتها ندوة عن المبدعين الراحلين الذين تميزوا بكتاب واحد  (مختار اللغماني وعزوز الجملي ومحمد رضا الجلالي ومحمود التونسي وإبراهيم الأسود في جانفي/يناير 2019) ثم ندوة عن الشاعر الراحل جعفر ماجد (جانفي/يناير 2020) وتتجه النية إلى مواصلة هذه السلسلة على نفس الدرب وبنفس الرؤى.

وفي هذه الندوة يقف معه بالتنشيط والإعداد والتنفيذ والاتصالات الباحث محمد المي الذي أصبح من أبرز منظمي الندوات والملتقيات التكريمية حول شخصيات أدبية فاعلة في الفكر والثقافة وهم بيننا فنتمتع بتكريمهم وتحس هذه الشخصيات بأن البلاد لا تغمض عينيها عن أهل الابتداع وعن الذين أفادوها بنشاطاتهم الثقافية المختلفة ، كما أصبح المي متمكنا من تنظيم ندوات وملتقيات حول الشخصيات الأدبية التي تركت دنيانا  إلى عالم أفضل بعد أن وضعت بصمات لن تمحي أبدا فضلا عن سلسلة من المؤلفات في هذا المجال نشرها إثراء لرصيده الثقافي المتميز…

وفي هذه الندوة كان محمد المي نشيطا كعادته في تنفيذ العمليات التنظيمية ومعه محمد صالح بن عمر في الحركة والتواصل مع المشاركين…والحاضرين.

وقد احتضنت جمعية قدماء الصادقية هذه الندوة في مقرها التاريخي الرائع الذي يحتاج من الدولة إلي لمسة وفاء تتمثل في بعض الترميمات للمحافظة عليه. وقد أوضح الأستاذ الشاذلي بن يونس الكاتب العام لهذه الجمعية  أن الجمعية سعيدة باحتضان هذه الندوة لإحياء أعمال الكاتب الكبير سمير العيادي على اعتبار أن هذا الكاتب قد درس في معهد خزندار الذي كان في بداياته فرعا للمعهد الصادقي الذي أسسه المصلح خير الدين باشا في منتصف السبعينات من القرن التاسع عشر وقبل انتصاب الاستعمار الفرنسي بتونس.

وللعلم أن المعهد الصادقي أضاء بمشاعله على البلاد وأدخلها العالم الحديث وهو الذي كان وراء تطورالحياة

التونسية ثقافيا وسياسيا وإعلاميا. فمنه تخرج كبار المفكرين الاوائل و رجال الحركات الوطنية الإصلاحية أو الثورية ضد الاستعمار وللمطالبة بالاستقلال.ومنها كان الصحفيون والمحامون والأطباء

… وكان المعهد هو الشعلة الأساسية التي أسست للتعليم الحديث وإنارته قبل الاستقلال وبعده. فقد كانت دوما النموذج الأمثل الذي تم تعميمه في تونس بنجاح ..

وكان سمير العيادي ابن الاستقلال.. ولكنه أيضا ابن معهد خزندار وهو الابن الشرعي للصادقية.. فكان أحد المبدعين في البلاد.. فهو متعدد في واحد.. بدأ حياته شاعرا.. ثم تحول إلى المسرح والقصة. والإعلام وإدارة الشأن الثقافي.وعمل منشطا ومديرا للمهرجان الدولي بقرطاج و مستشارا ثقافيا لوزارة الثقافة بأمر رئاسي ضمن تعيين عدد من الشخصيات الثقافية في هذا المنصب في بداية عهد وزارة محمد مزالي الذي اضطلع بدور مهم لتحقيق عمل كبير يكون بالفعل تكريما لها لما قدمته للبلاد في المجالات الثقافية والإعلامية دون أن تكون لهم مناصب أو وظائف عليا… ولم يكن مطلوبا منهم الحضور في الوزارة إنما تعيينها كان تشجيعا لها على مواصلة الكفاح الثقافي من أجل تونس الحديثة. ومن بين الذين تمت تسميتهم معه نذكر الكاتب الكبير عزالدين المدني و الهادي العبيدي رئيس تحرير الصباح وعبد المجيد بوديدح أحد أبرز الإعلاميين الثقافيين والناقدين الاجتماعيين منذ الأربعينات .

إذن كان اللقاء من أجل سمير العيادي رائعا.. تمثل في مداخلات جيدة.. لم يتسن للمشاركين تقديمها كاملة باستثناء الناقدة فوزية الصفار.. إنما أعطوا عنها رؤوس أقلام كما يقال أو لنقل قدموا ملخصات سريعة عنها.. وذلك لا يزعج إطلاقا لأن هذه المداخلات ستنشر في كتاب خاص.. وقد كان محمد صالح بن عمر حريصا على إصدار الندوات السابقة التي نظمها مع محمد المي في كتب وفي الموعد.. ففي هذه الندوة تم توزيع كتاب عن الشاعر الراحل جعفر ماجد ضم المحاضرات التي ألقيت عنه وعن تجربته في ندوة انتظمت في السنة الماضية بنفس هذا الفضاء.

وللعلم أن الأستاذ المحامي والإعلامي الشاذلي بن يونس قدم كلمة مؤثرة عن الكاتب سمير العيادي إذ رافقه منذ أن كانا طفلين ثم شابين فكهلين.. وقد كانت كلمته فاتحة للندوة وعلى  إثرها كانت مشاركة محمد المي الذي قدم محاضرة مهمة عن سمير العيادي المنشط الثقافي.. الذي نظم ما إن تم تعيينه مديرا لدار ابن خلدون حتى نظم ندوة عن التمشيط الثقافي الذي لم يكن معروفا بالشكل الحديث الذي ابتكره سمير ورفاقه في ذلك الوقت متجاوزين طريقة المحاضرات..إلى إشراك الساحة الثقافية بأسرها.

وقد شارك في هذه الندوة عدد مهم من النقاد من الذين عرفوا سمير العيادي عن قرب أو من الذين ساهموا في التعريف بكتاباته من قبل.. بشكل أو بآخر نذكر منهم أحمد الحاذق العرف الذي عايش لحظة بلحظة بدايات سمير العيادي  في صلب حركة الطليعة إلى وفاته.. مع كل التحولات التي عرفها سمير في رحلته مع الثقافة والأدب. وقد أطلق المنظمون لهذه الندوة صفة عميد النقاد على هذا الناقد الذي عرفته شخصيا منذ نهاية السبعينات لما التحقت بالجامعة وأصبحت أتردد على دار الثقافة ابن خلدون حيث كان شقيقي حمودة بن رجب موظفا.. ولم يستمر في العمل بها طويلا إذ غادر تونس.

وقد تسلم أحمد الحاذق العرف في بداية الجلسات في هذه الندوة درعا خاصا يؤرخ لتسميته عميدا للنقاد التونسيين .. وبالمناسبة نذكر أن وزارة الثقافة أصدرت مجلدات عدّة لمجمل إنتاج العرف المتمثل في مقالات ودراسات تم نشرها في الجرائد والمجلات منذ آخرالستينات الي غاية السنة الماضية .. وقد صدرت هذه المقالات إلي حد الآن في ثلاثة مجلدات. وستصدر بقية أعماله في ة مجلدات أخرى..

وشارك في الندوة المبدع القصاص والناقد أحمد ممو الذي وضع بصماته المهمة في نادي القصة ومجلة “قصص” وكان رفيقا لسمير العيادي والمخرج السينمائي على العبيدي الذي كان هو الآخر صديق سمير.. بل كان قد تتلمذ على يديه سنة كاملة في معهد المسرح في نهاية الستينيات. ومن المشاركين أيضا الناقدة فوزية الصفار المهتمة بالأدب التونسي وقد كتبت الكثير من الدراسات حوله وكان لها أكثر من فرصة للالتقاء بسمير العيادي… ونذكر أيضا الناقد والباحث عمر حفيظ الذي تعرف على سمير العيادي من خلال كتاباته ولكن أيضا من خلال الندوات والملتقيات.. وقد كان لحضور الناقد والباحث مصطفى الكيلاني نكهة خاصة.. وهو من الذين رافقوا سمير العيادي وتعرفوا عليه عن كثب. و كان للباحثة منوبية بن غذاهم مشاركة مهمة كتبتها بالفرنسبة لكنها لم تتحدث بالفرنسية بل باللغة العربية.. فكانت بذلك متميزة..ولا يمكن أن ننهي هذه العرض دون أن أتوقف عند مساهمة الناقد والروائي مصطفى المدائني رئيس عدة منتديات أدبية ومنها منتدى توفيق بكار للسرد بدار الثقافة ابن خلدون..

وفي الندوة جانب تكريمي للشعر والشعراء.و هو نوع من المراوحة بعد مداخلات سمينة.. لكن أيضا هو اهتمام بالشعر في مثل هذه المناسبات فقد استمتعنا إلى  محمد الهادي الجزيري وسلوى الرابحي وزهور العربي وفاطمة بن فضيلة ونجاة الورغي ومحمد الطاهر السعيدي و معز ماجد. وهو ابن الشاعر جعفر ماجد يكتب بالفرنسية.. لكن لا يعني ذلك أنه لا يكتب بالعربية…

و إني إن لم أتوقف هنا  عند كل ما قيل حول سمير العيادي وما تم عرضه عن حياته ونشاطاته وإبداعاته المختلفة فلأن المجال لا يتسع لأكثر مما ذكرت .. والمهم أن المداخلات ستنشر في نهاية هذه السنة في كتاب خاص..

وأنهى هذ العرض بأن أمين سمير العيادي ابن الراحل المختفي به نقديا وشعريا حضر هذه الندوة.. وقد سعدت بذلك لأني أعتبره بمثابة ابني.. وقد رايته يكبر أمامي في بيت سمير أو في شارع الحياة.. وقد حضرت حفل زفافه بعد وفاة والده العزيز إذ كنت قريبا من سمير العيادي منذ كنت طالبا في الجامعة بدار الثقافة ابن خلدون.. ورافقته وأنا صحفي بدار الصباح وشاركت في أنشطته الثقافية وندواته. و شاركني الأنشطة التي توليت تنفيذها أو أحدثتها. وكان معي لسنوات في المهرجان الوطني للكتاب الناشئين ومعي في جائزة كومار الذهبي للرواية التونسية.. وسافرت معه في ما لا يقل عن عشرين مدينة في الجمهورية وحاضرنا معا واشتركنا معا في لجان تحكيم في مهرجانات ومسابقات حكومية أو جمعياتية

وكنا معا في سفرات دولية مهمة إلي المغرب ومصر ولبنان والسودان وسوريا وفرنسا وكانت رفقته رائعة في الطائرة وفي الفنادق.. وفي المطاعم .. مع العلم أنه معروف جدا في البلدان العربية. فحيثما نزلنا لاحظت أنه يحظى باستقبالات تجلب الأنظار…

وقد كنت في السنوات الأخيرة من عمره رفيقه في البيت وفي المقهى صحبة عدد من الأحبة والأصدقاء

وخاصة بمقهى الأمير المحاذي  لبيته بالمنزه السادس….

وأنشر هنا صورا عن الندوة من كاميرا محمد المي.. وانشر ايضا بعض صور لي مع سمير العيادي رحمه الله.

 

صور تذكارية لصاحب المقال محمد بن رجب مع الر احل سمير العيادي

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*