مداخلات النّقّاد في النّدوة الثّالثة لدار إشراق للنّشر ومجلة”مشارف” التي دارت حول الشّاعر التّونسيّ الرّاحل جعفر ماجد صباح السبت 4 جانفي 2020 بنادي جمعيّة قدماء المدرسة الصّادقيّة بالعاصمة

مداخلة محمّد المي :

كان محمّد المي صديقا حميما لجعفر ماجد يفضي إليه بكلّ أسراره خلافا لعلاقته بي التي كانت أدبيّة بحتة فلم يحدّثني ، مثلا ،ولو مرّة عن عائلته .وحسب شهادة المي كان جعفر ماجد يعشق الحياة ويشعر بالرّضى عن مسيرته وعن المكانة التي كان يحتلّها في الوسط الثّقافيّ.أمّا طبيعته النّفسيّة فكانت تتّسم بحساسية مفرطة تدفعه إمّا إلى الإسراف في الفرح وإمّا إلى الغلوّ في الانفعال ، زيادة على ميل إلى السّخرية والانتقاد اللاّذع. وهو ما تسبّب له في نشوء عداوات كثيرة ضدّه في الوسط الأدبيّ وفي الجامعة .وكان يردّ الفعل على مواقف خصومه منه بقصائد هجائيّة كاريكاتوريّة لاذعة يكتفي بقراءتها لأصدقائه .

وتحدّث محمّد المي أيضا عن علاقة جعفر بمسقط رأسه مدينة القيروان وحبّه لأبنائه وخاصّة نجله معزّ.

هذه الشّهادات التي قدّمها أحد أصدقاء الشّاعر من شأنها أن تضيء كتاباته ،إذ لا يمكن أبدا – وليعذرْنا رولان بارط – الفصل بين المؤلّف وأثره.

مداخلة منّوبيّة بن غذاهم :

ركّزت النّاقدة منّوبيّة بن غذاهم مداخلتها على محور رئيس هو البنية الذّهنيّة والنّفسيّة للشّاب جعفر ماجد من خلال ديوانه الأوّل “نجوم على الطّريق”.وقد كشفت هذه الدّراسة عند ذلك الشّاعر الشّاب روحا ثوريّة ربّما ورثها عن والده الذي كان مناضلا وطنيّا في عهد الاحتلال وقد تعرّض للإيقاف والسّجن بسب نشاطه السّياسيّ ضدّ المحتلّ .لكن النّاقدة لاحظت مقابل ذلك مدى تخلّف موقف الشّاعر من المرأة، إذ ليست عنده سوى جسد ومصدر للّذة.

وقد دعمتُ ملاحظة الزّميلة بشهادة هي أنّ جعفر غالبا ما كان يقول لي :”إذا تجاوزت المرأة الثّامنة والعشرين من عمرها خرجت من دائرة اهتمامي”.

ينبغي أن أضيف معلومة لم يذكرها أحد في النّدوة لكن لا بدّ من تسجيلها للتّاريخ وللمزيد من فهم شعر هذا الشّاعر .و هي أنّ جعفر ماجد كان ضدّ دعوة الطّاهر الحدّاد إلى تحرير المرأة .ولقد كانت لي مناقشات طويلة معه في هذا الموضوع وكذلك مع النّاقد أبي زيّان السّعدي الذي كان على رأي جعفر.

مداخلة مصطفى الكيلاني :

من الإشكاليات الأخرى التي عُولجت في النّدوة الثّالثة لدار إشراق للنّشر ومجلّة “مشارف” ثنائيّة الكلاسيكيّة/والحداثة في شعر جعفر ماجد ونثره .فقد بيّن الناقد مصطفى الكيلاني في هذا الصّدد أنّ جعفر ماجد كان له مفهوم خاصّ للحداثة . فالشّاعر الذي يكتب النّثر الشّعريّ أو الشّعر الحرّ أو قصيدة النّثر ينبغي أن يبرهن ، في تقديره، على حذقه استخدام تقنيات القصيدة العموديّة وإلاّ فإنّه يتّهمه بالرّكوب على الحداثة لإخفاء عجزه عن الالتزام بالقواعد التي تخضع لها كتابة ذلك النّوع من الشّعر من جرّاء ضعفه اللّغويّ وعدم تمكّنه من العروض.

ولقد كان جعفر ،في الحقيقة ، يحسّ بأنّ انتماءه إلى مدينة القيروان مسؤوليّة جسيمة تفرض عليه أن يتجذّر في التّراث لكون تلك المدينة كانت طيلة قرون عاصمة للخلافة العربيّة الإسلاميّة بشمال إفريقيا والأندلس.لكنّ تكوينه اللّغويّ المزدوج ودراسته بجامعة السّربون في فرنسا كانا يدفعانه إلى الانفتاح على الغرب .ولقد كان الحلّ الذي اهتدى إليه للحسم في هذه الثّنائيّة هو الإقبال على كتابة الشّعر الحرّ والشّعر المنثور بذائقة كلاسيكيّة محضة .

مداخلة عمر حفيّظ :

يَعْرفُ النّاقد عمر حفيّظ قصيدة النّثر معرفة جيّدة بحكم تأليفه كتابا عن الشّاعر السّوريّ أدونيس الذي يعدّ من أفضل الشّعراء العرب في كتابة هذا اللّون ، فضلا عن معرفة المحاضر المعمّقة للكتب النّظريّة التي تتعلّق بقصيد النّثر لا سيّما كتاب سوزان برنار الموسوم ب”قصيدة النّثر من بودلار إلى أيّامنا هذه” .(وهو أطروحة دكتوراه دولة نوقشت في جامعة السّربون بباريس سنة 1954 )

لقد انكبّ الباحث على قصائد جعفر ماجد غير الخاضعة للأوزان الخليليّة التي جمعها في ديوانه “مرايا” متسلّحا بهذه المعارف. وكانت النّتيجة التي وصل إليها هي أنّ هذه القصائد لا علاقة لها بقصيدة النّثر وإنّما هي نصوص نثريّة لكنْ لا تخلو من التّجديد، إذ كتبها صاحبها بروح كلاسيكيّة تجسّدت في تنويع تفعيلات البحور في كل بيت تقريبا من أبياتها أي إنّها قصائد موزونة لكن وفق تفعيلات متنوّعة .وهذا الاستنتاج يلتقي بالذي خرج به النّاقد مصطفى الكيلاني من دراسته لشعر جعفر ماجد.

 

 

مداخلة فوزيّة الصّفّار الزّاوق :

اختيرت النّاقدة فوزيّة الصّفّار الزّاوق لدراسة مذكّرات جعفر ماجد لأنّها سبق أن ألّفت كتابا مهمّا عن مذكّرات الكاتب والشّاعر اللّبنانيّ الكبير ميخائيل نعيمة .وقد كان لي شرف مراجعة هذا الكتاب ونشره بدار الخدمات العامّة منذ قرابة العشرين عاما .

لم يكمل جعفر ماجد ،في ما يبدو، كتابة مذكّراته التي لم ينشر منها سوى أربعة عشر فصلا بين سنة 1998 وسنة وفاته 2009.لكنّ ما نشره ينير مرحلة مهمّة من حياته .وهي طفولته وفترة مراهقته وشبابه الأوّل .ففي هذه الفترة تشكّلَ المقوّمان الرّئيسان لتكوينه الذي كان مزدوجا : من جهة اللّغة العربيّة والثّقافة العربيّة الإسلاميّة اللّتان اكتسبهما في مسقط رأسه: القيروان ومن جهة أخرى اللّغة والثّقافة الفرنسيّتان اللّتان حصّلهما بالمدرسة الفرنسيّة العربيّة ثمّ بمدرسة ترشيح المعلّمين ثمّ بجامعة الصّربون بفرنسا.وقد تعزّز ذلك التّكوين بما أجراه من اتّصالات مع أدباء ومفكّرين كبار خارج البلاد منهم الأستاذان الفرنسيّان شارل بَلاّ وجيرار لوكونت والفلاسفة الفرنسيّون جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار وألبار كامو والباحث الجزائريّ الفرنسيّ محمّد أرقون .فذلك التّكوين المزدوج المتين هو المفتاح الأنسب إلى ولوج آثار جعفر ماجد الشّعريّة والنّثريّة التي تتّسم بالتّجذّر في التّراث العربيّ الإسلاميّ مع انفتاح – والحقّ يقال – محدود على العالم المتقّدم.

ولقد انتقدت المحاضرة بشدّة شراسة جعفر ماجد تجاه عدد من رموز الأدب والثّقافة التّونسيّين مثل الشّاعر الكبير أبي القاسم الشّابي والنّاقد الكبير وصديق الشّابي محمّد الحليوي والأديب والفيلسوف الكبير محمود المسعدي والفيلسوف محجوب بن ميلاد وأستاذ اللّسانيات والشّاعر صالح القرمادي وغيرهم …

ومّرد هذه الشّراسة إمّا إلى انتفاخ في الذّات وإمّا إلى طبع مخاتل .والرأي عندي أنّه ينبغي البحث عن أسباب هذه النّزعة عند جعفر ماجد إلى تقزيم الآخرين في النّرجسيّة التي لا يخلو منها أيّ مبدع كبير. لكنّ الفرق بين جعفر وغيره من كبار المبدعين هو أنّه كان يعلن نرجسيّته ولا يخفيها وراء تواضع كاذب.

مداخلة نسرين السّنوسي :

ركّزت النّاقدة نسرين السّنوسي مداخلتها على نقاط الاتّفاق ونقاط الاختلاف بين كتابي جعفر ماجد “محمّد النّبيّ الإنسان” وطه حسين “على هامش السّيرة”.

إنّ نقطة الاتّفاق الرّئيسة التي لمحتْها هي أنّ المؤلّفيْن أبرزا الجانب الإنسانيّ العميق في شخصيّة الرّسول .وهو ما تجسّد أيّام طفولته في يتمه وحرمانه من أمّه وفي الحنان الذي وجده عند مرضعته حليمة السّعديّة ثمّ في صباه حين تميّز بصدقه وأمانته ثمّ في شبابه حين خاض تجربتي الحبّ والحرب ثمّ في كهولته عندما توفّق إلى جمع أتباعه وأنصاره وأحلّ نظام الأمّة محلّ النّظام القبليّ.والأمر نفسه في كتاب طه حسين الذي وصف أحلام الصّبيّ اليتيم والأخلاق العالية التي تحلّى بها في شبابه ثمّ حصافة الكهل القائد.ومن ناحية أخرى يبدو الهدف من تأليف الكتابين واحدا .وهو إبراز الجوهر الإنسانيّ للإسلام والقيم السّامية المرتبطة به وكأنّ المؤلّفين يسعيان بذلك إلى الرّدّ في وقت واحد على المسيئين للإسلام باسم الحداثة وعلى المتعصّبين الذي هو في اعتقادهم مذهب متصلّب يتأسّس على العنف والحقد.

لكنّ الكتابين يختلفان من حيث الأسلوب : فإذا كان طه حسين قد اختار الأسلوب السّرديّ فإنّ جعفرعالج قصّة حياة الرّسول معالجة شعريّة.

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*